كيف سيبدو العالم بعد نهاية جائحة كورونا

دينبريس
2020-07-21T10:19:14+01:00
ترجمات
دينبريس21 يوليو 2020Last Update : الثلاثاء 21 يوليو 2020 - 10:19 صباحًا
كيف سيبدو العالم بعد نهاية جائحة كورونا

على غرار الأحداث ذات الوقع الوخيم عالميا، كسقوط جدار برلين أو انهيار بنك “ليمان براذرز”، فلا يسعنا في الوقت الراهن تخيل مدى العواقب بعيدة المدى لجائحة فيروس كورونا المستجد COVID 19.
فبقدر ما أدى هذا الوباء إلى إزهاق الأرواح وتعطيل حركة الأسواق واختبار مدى كفاءة الحكومات (أو انعدام ذلك)، فالأكيد أن تحولات جذرية ستسفر عنه على مستوى القوى السياسية والاقتصادية لن تتجلى لنا إلا لاحقا.

لمساعدتنا على فهم طبيعة التحول القائم تحت أقدامنا مع اتساع نطاق هذه الأزمة، استقت “فورين بوليسي” آراء 12 مفكرا بارزا من أنحاء العالم ليدلوا بدلوهم حول توقعاتهم بشأن النظام العالمي لما بعد الوباء.

1ـ عالم أقل انفتاحا وازدهارا وحرية (Stephen M.walt)
يرى “ستيفان والت” أن هذه الجائحة ستعمل على ترسيخ مفهوم الدولة وتعزيز القوميات؛ وأنه سيكون من الصعب التخلي عن الإجراءات الطارئة التي ستتخذها الحكومات بسهولة بعد مرور الأزمة. أما بخصوص الصراع القطبي القائم بين القوى الكبرى فيقول بأنه سيظل قائما ولن يستهل عصر جديد من التعاون العالمي كما يقال؛ ويعزز رأيه بأن لنا في الأوبئة السابقة خير مثال (الانفلونزا الاسبانية 1918-1919) والتي لم تنه تنافس القوى الكبرى؛ ولم تستهل حقبة من التعاون بعدها.

2ـ نهاية العولمة بالمفهوم الذي عهدناه (Robert Niblet)
يعتقد “روبيرت نيبلت” أن هذه الجائحة قد تكون بمثابة القشة التي ستقصم ظهر العولمة الاقتصادية؛ إذستتدهور بنية الحكامة الاقتصادية العالمية التي تم انشاؤها في القرن العشرين وتتلاشى بسرعة، الأمر الذي سيتطلب انضباطا هائلا من مختلف القادة السياسيين للحفاظ على التعاون الدولي وعدم التراجع إلى المنافسة الجيوسياسية العلنية.

3- تمحور العولمة حول الصين (Kishore Mahbubani)
يرى “كيشور مابوباني” أن هذه الجائحة لن تغير بشكل جوهري من توجهات الاقتصاد العالمي، بل ستسرع هذا التغيير القائم من قبل: أي انتقال تمحور العولمة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين.
لماذا سيستمر هذا التوجه؟ لأن الشعب الأمريكي فقد ثقته في العولمة والتجارة الدولية، بالمقابل فالصينيون وضعوا ثقتهم بها، لماذا؟ لأسباب تاريخية متجذرة؛ إذ يعي القادة الصينيون جيدا أن قرن الإذلال الذي عاشوه من 1842 إلى 1949 كان مرده إلى التهاون والجهود غير المجدية التي أدت إلى انعزال الصين عن العالم. على عكس ذلك، كانت العقود الماضية والتي اتسمت بالانتعاش الاقتصادي الذي عرفته الصين نتيجة لانخراطها الفعال في التجارة العالمية. كما شهد الشعب الصيني انتشارا واسعا فيما أسماه ثقافة “الثقة” cultural confidence”، إذ أصبحوا على قناعة تامة بقدرتهم على المنافسة من أي مكان في العالم.

4- تخلي الديموقراطيات عن نماذجها الموغلة في التقوقع (G. John Ikenberry)
على المدى القصير، سيلوح في الأفق نقاش محتدم حول الاستراتيجيات الكبرى لمختلف التكتلات، إذ سيرى القوميون والمناهضون للعولمة فضلا عن الليبراليين أدلة جديدة على مدى إلحاح وجهات نظرهم؛ وبالنظر إلى الضرر الاقتصادي والانهيار الاجتماعي اللذان ستخلفهما الأزمة، من الصعب إنكار تعزيز التوجه نحو القومية وتنافس القوى العظمى والفصل الاستراتيجي وما إلى ذلك..

5- أرباح أقل في مقابل مزيد من الاستقرار(Shannon K. O’Neil)
يرى “شانون أونيل” أن هذه الأزمة ستقوض المبادئ الأساسية المتعلقة بالتصنيع العالمي،إذ أن الشركات ستعمل على إعادة النظر فيما يخض سلاسل التوريدات”supply chain” الدولية وشبكات التوزيع التي تهيمن على الإنتاج في الوقت الراهن.
لكن على الجانب الآخر من الأزمة، ستحتم المرحلة على الشركات معرفة المزيد عن مصدر إمداداتها وهو ما ينتج عنه تباعا تبادل في الكفاءة والخبرات. وستتدخل الحكومات كذلك، فالربحية ستنخفض، لكن بالمقابل سيظل استقرار العرض قائما.

6- من الممكن أن تأتي هذه الجائحة بأهداف مفيدة (Shivshankar Menon)
يعتقد “شيفشانكار مينون” أن هنالك ثلاث عوامل تظهر ذلك؛ أولا: أن الوباء سيغير من سياسات الدول سواء تعلق الأمر بالشأن الداخلي أو مع بعضها البعض؛ إذ تظهر التجربة إلى حدود الساعة أن السلطوية والشعبوية ليست أهلا لإدارة الأزمات، فالواقع أثبت أن الدول التي استجابت بشكل مبكر وفعال في مواجهة هذا الوباء كانت عبارة عن دمقراطيات وليست دولا يديرها قادة شعبويون أو سلطويون وهنا الحديث عن كوريا الجنوبية وتايوان.
ثانيا: هذه ليست نهاية العالم المترابط “interconnected world” كما يتوقع الكثيرون، إذ أن فيروس كورونا وتحوله إلى جائحة عالمية دليل بذاته على ارتباط العالم ببعضه.
أخيرا يرى أن هناك هنالك بوادر أمل تلوح في الأفق؛ على سبيل المثال بادرت الهند إلى عقد مؤتمر عبر الفيديو يخص جميع قادة جنوب آسيا لصياغة طريقة للاستجابة ووضع خطة إقليمية مشتركة في مواجهة مختلف التحديات. وختم كلامه بالقول أنه إن كان هذا الوباء قد جعلنا نعيد النظر بخصوص أهمية التعاون المتعدد الأطراف بشأن القضايا الكبرى التي تواجه العالم أجمع…سيكون حينها قد قدم لنا عرضا نبيلا.

7- ستحتاج القوة الأمريكية إلى وضع استراتيجية جديدة (Joseph S. Nye, Jr)
يرى “جوزيف نيي” أن الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي ترامب سنة 2017 والتي ترتكز بالأساس على منافسة القوى العظمى غير كافية، وهذا ما أبانت عنه أزمة كوفيد19؛ فحتى لو ظلت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى لن تستطيع حماية أمنها من خلال التصرف بمفردها، ويستشهد بحديث ريتشارد دانزيج الذي يعتبر أنه لخص المسألة عندما ذكر بأن “تقنيات القرن الحادي والعشرين عالمية ليس فقط في توزيعها، وإنما أيضًا في عواقبها. وبالتالي فالمصير غالبا مشترك.

8- المنتصرون هم من سيكتبون تاريخ كوفيد-19 (John Allen)
كما كان الحال دوما، فالتاريخ يدونه المنتصرون في الأزمات والأمر سيان بالنسبة ل كوفيد-19 . يرى “جون آلن” أن كل دولة وبشكل أدق كل فرد يعاني من توتر وقلق مجتمعي وبشكل لم يسبق له مثيل في عصرنا، وهذا ما يحتم على الدول المثابرة سواءلامن خلال دعم النظم السياسية والاقتصادية،لاأو من خلال تحسين آليات عمل القطاع الصحي. وبهذا سيظهر البعض أن تلك السياسات والإجراءات المتخذة دليل على انتصار كبير للديمقراطية والتعددية والرعاية الصحية الشاملة. على النقيض من ذلك سيسوق البعض هذه التدابيرلاعلى أنها من حسنات القيادة المتسلطة.

9- الرأسمالية العالمية على أبواب مرحلة جديدة ومثيرة (Laurie Garrett)
تتمثل الصدمة الرئيسية للنظام المالي والاقتصادي في العالم في ضرورة الإقرار بأن سلاسل التوريدات “supply chain” وشبكات التوزيع العالمية معرضة بشدة للتعطل. وبالتالي فإن آثار هذا الوباء الاقتصادية لن تكون مجرد آثار طويلة الأمد؛لابل سيتطلب الأمر تغييرات جذرية. حيث سيتم العمل على تقريب سلاسل الإمداد “Supply chain من الوطن بغاية التقليل من الإضرابات في المستقبل، وهو الأمر الذي قد يقلل من أرباح الشركات على المدى القصير لكنه سيجعل النظام بأكمله أكثر مرونة وليونة.

10- المزيد من الدول العاجزة (Richard N. Haass)
يتوقع “ريتشارد هاس” أن تجد العديد من البلدان صعوبة في التعافي من الأزمة، إذ ستحتم هذه الأزمة على العديد من دول العالم؛ التقوقع حول الذات ونهج سياسات انتقائية في التعامل مع الخارج؛لابالاضافة إلى عدم الالتزام فيما يخص معالجة المشكلات الإقليمية والعالمية (الهجرة..تغير المناخ…) نظرًا للحاجة الملحة لتكريس الموارد المالية لإعادة البناء في الداخل والتكيف مع العواقب الاقتصادية التي ستخلفها الأزمة.

11- فشل الولايات المتحدة الأمريكية في اختبار الريادة (Kori Schake)
يرى ‘كوري شالك” أن بعد مرور هذه الأزمة لن يُنظر إلى الولايات المتحدة كقائدة للعالم ويعزو ذلك للمصلحة الذاتية الضيقة لحكومتها وبسبب التخبط الذي أبانته في إدارة هذه الأزمة. إذ كان من الممكن تخفيف الآثار العالمية لهذاالوباء إلى حد كبير لو أن المنظمات الدولية عملت على تقديم المعلومات الكافية بشكل مبكر،لاالأمر الذي كان بإمكانه تزويد الحكومات بالوقت الكافي لإعداد وتوجيه الموارد لإدارة هذه الأزمة. لكنها تقوقعت حول ذاتها. ويختم حديثه بالقول بأن واشنطن قد فشلت في اختبار الريادة، ما كان له عواقب وخيمة على العالم بأكمله.

12- في كل دولة من دول العالم، نلمس قوة الروح الإنسانية (Nicholas Burns)

يرى “نيكولاس بورنس” كوفيد-19 هي أكبر أزمة عالمية في القرن الحديث، إذ تهدد الصحة العامة لـ 7.8 مليار شخص على وجه الأرض. ويمكن للأزمة المالية والاقتصادية أن تتجاوز في تأثيرها الركود الكبير 2008-2009.
ويرى أن التعاون الدولي غير كاف اطلاقا،لاإذ لم تتخلى كل من الولايات المتحدة والصين عن حربهما الكلامية حتى في أعتى الأزمات. أما فيما يخص الاتحاد الأوروبي فإذا لم يسارع إلى تقديم المساعدة إلى 500 مليون مواطن أوروبي فقد تستعيد العديد من الحكومات سلطتها من بروكسيل – مقر البرلمان الأوروبي. في الولايات المتحدة، الأمر الذي يشكل هاجسا هو مدى قدرة الحكومة الفيدرالية على توفير تدابير فعالة لوقف الأزمة.
لكن بالمقابل– وفي كل دولة من الدول الأخرى – فإن نقطة الضوء في هذه الأزمة هي أن هناك العديد من الأمثلة على قوة الروح الإنسانية – أطباء وممرضات وقادة سياسيين ومواطنين عاديين ممن أظهروا مرونة وفعالية وريادة. وهذا ما يثبت أن هناك رجالا ونساء في جميع أنحاء العالم تمكنوا من إثبات جدارتهم حتى في أحلك الظروف .

ترجمة: عبد الحميد سكيكري ـ مترجم (خريج مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة) وباحث في الدكتوراه بجامعة بول فاليري مونبلييه – فرنسا.
ــــــــــــــــــــ
مقال عبارة عن تحليل صادر عن مجلة (فورين بوليسي) المتخصصة في الشؤون الاستراتيجة نشر بتاريخ 20-03-2020 تحت عنوان: How the World Will Look After the Coronavirus Pandemic. بقلم: جون ألن ونيكولاس بورنز ولوري كاريت وريتشارد ن. هاس وجون إكنبيري وكيشور ماهبوراني وشيفشانكار مينون وروبن بينلت وجوزيف ناي جونيور وشانون أونيل وكوري شاك وأخيرا سيتفن والت.
رابط المقال الأصلي: https://foreignpolicy.com/2020/03/20/world-order-after-coroanvirus-pandemic/

Short Link

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.