الدكتور محمد وراضي
على شاشة تلفزة مغربية، هويتها غير ذات بال عندي. وتاريخ مقابلة عصيد والفيزازي على متنها لا يضر ولا ينفع، بصرف النظر عن الحضور في نفس الحوار من مؤيد لعصيد، ومن مؤيد للفيزازي. وموضوع التحاور هو الزواج بأكثر من واحدة. وهو موضوع قال فيه الدين كتابا وسنة كلمته منذ قرون وقرون.
بكل تأكيد لا يخفى على المتنورين أن إثارة تعدد الزوجات من عدمه، موضوع أثير ويثار بحدة في الأوساط الثقافية، مما يعني أن المغاربة لم ينفردوا بإثارته، إنما لماذا أثير والادعاء بضرورة الحرية الفردية، من ضمن المبادئ التي ترسو عليها الديمقراطية، إذ لا يمكن تصورها في غياب الحرية.
وفرض الزواج بواحدة، وتحريم الزواج بأكثر منها، رفض صريح لحكم مصدره الكتاب والسنة. والرفض لهما رفض مقدم للأحكام الشرعية العملية في تدبير الشأن العام منذ سيادة الحكم الاستعماري علينا حتى الآن. مما يعني أن مناقشة الموضوع المطروح مضيعة للوقت من جهة. وإصرار على رفض كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية من جهة ثانية. يعني الإصرار على محو كافة الأحكام الواردة في مذكرة الأحوال الشخصية، التي قننها بأمر من الراحل محمد الخامس، جماعة من العلماء، في طليعتهم كل من علال الفاسي، ومحمد المختار السوسي، بنية تقنين الفقه الإسلامي جملة وتفصيلا، لغاية التخلص من القوانين الوضعية.
وبرحيل محمد الخامس عن الفانية، وبحلول الحسن الثاني محله، تغلب الإصرار على الانتصار للقوانين الوضعية على السعي المشروع شعبيا إلى استعادة النظام الإسلامي، هذا الذي عمل الاستعمار على طمس معالمه، وبحضور وبقبول شخصيات من النظام المغربي التقليدي، بدءا من الملك يوسف بن الحسن، بل بدءا – إلى حد ما وبمعنى ما – بالملك عبد العزيز الذي ألغى الزكاة كركن ثالث من أركان الإسلام، وأحل محلها ضريبة الترتيب، بحيث إن هذا الإلغاء المتعسف الذي استنكره العلماء في حينه، ظل جاريا به العمل حتى الآن. مع محاولتين لاستعادته رسميا في عهد الحسن الثاني مرتين: مرة في أوائل السبعينيات من القرن الميلادي المنصرم، ومرة في أواسط التسعينيات من نفس القرن.
وكنت ممن رحبوا بالمحاولتين، حيث إنني شاركت بدراسة في المرة الأولى، أملا في الحصول على جائزة وعدت بها حينئذ وزارة الأوقاف. كما شاركت بمقال مطول في المرة الثانية، والذي نشرته لي جريدة “الأحداث المغربية” في حلقات باسم مستعار هو “جار الله محمد”. مع أنه كان من المفروض أن لا تكف أقلام العلماء المخلصين – إن كان لهم وجود بالفعل – عن المطالبة بإبقاء الإسلام نظريا وتطبيقيا، قائما على خمسة أركان، بدلا من الكذب على التلاميذ الذين نلقنهم أركان الإسلام ودعائم الإيمان أو قوائمه الستة التي أولها التسليم بوجود الله، وآخرها التسليم بالقدر خيره وشره.
وبما أن كبار علماء الأمة المغربية، وخاصة منهم السلفيون الأوائل، بما أنهم سكتوا عن الزكاة الملغاة على الصعيد الرسمي، وقبلوا بسيادة القوانين الوضعية – إما خوفا وإما طمعا – وأدوا خدمات في إطار نظام علماني، خاصة وأن علال الفاسي كان وزيرا للأوقاف، ومثله محمد المختار السوسي، فلا أحد منهما ناقش موضوع العلمانية التي فرضت على المغرب، وهما المدركان لأحلام محمد الخامس في العودة إلى الأصول والمنابع، بينما أصبحنا نحن اليوم أمام من يعرف بالشيخ، والذي فضحته نزواته الجنسية، والذي يتمتع في الوقت ذاته بجولات في سيارة فارهة، قدمت له كهدية لكونه غير جلده؟؟؟
ثم إننا أمام من لا تزال رفيقته في الفلسفة تعانقه روحا كما تدعي! فضلا عن كون القناة التلفزية الرسمية ترحب به! وإن طعن في الدين الذي يجهله؟ والحال أن للإفتاء شروطه، وأن للمفتي صفات تخصه، ومن جملتها الغنى عن الناس، وعدم الحاجة إلى ما في أيديهم، إذ أن من امتدت يده إلى الناس، زهد الناس في علمه، وتناولته ألسنتهم بالذم. هذا إن كان عالما كامل الأوصاف، أما من كان عالما مطعونا في أوصافه كالفيزازي، أو كان غير عالم بالمرة كعصيد، فخوضهما في الموضوعات الدينية مسخرة أو مهزلة؟؟؟؟
المصدر : https://dinpresse.net/?p=9708