الحبيب علي الجفري
كثرت الأسئلة وتواصل الإلحاح من متابعي الصفحة (فيسبوك) حول الموقف من إعلان دولة الإمارات عزمها على عقد صلح مع العدو الصهيوني ولمن سأل مستوضحًا لا متصيدًا أو محرضًا هذه الخلاصة:
١. لا يخفى على من لديه مسكةٌ من علمٍ في الفقه أن قرار عقد المعاهدات مع العدو صلحًا كانت أو هدنةً هو من مسائل السياسة الشرعية التي أُنيطت بولي الأمر وفق ما يظهر له من مصلحة عامة.
٢. أثق في دولة الإمارات وإرادتها الخير، ولا أثق في العدو الصهيوني والتزامه بالعهود.
٣. أثق على وجه التحديد في أخي الشيخ محمد بن زايد ثقة مبنية على معرفة عن قرب في المدة التي كنتُ فيها مقيمًا في الإمارات، وأعلم عن اطلاع بجدية اهتمامه لأمر المسجد الأقصى الشريف وشهدت مواقف له في ذلك لا يسمح الظرف ببسطها، ولا التفات لحملة التشويه الممنهجة التي بدأت منذ اختلافه مع بعض التنظيمات والجماعات المتطرفة، ورفضه عبثهم باستقرار بلاده، ثم تدرجت هذه الحملة في التصاعد إبّان مرحلة الثورات، ووصلت إلى ذروتها في السنوات الأخيرة بعد توالي سقوط هذه التنظيمات والجماعات سياسيًا وشعبيًا في حالة من الاستعار الموغل في الفجور في الخصومة دون مراعاة لأوّليات دين ولا خُلق ولا مبدأ.
٤. يُحزنني كلُّ تطبيع جديد، وتشمئز النفس من الحملات والهجوم الذان تشنّهما عليه جهات كان لهم السبق في التطبيع القديم العتيد، لا سيما ممن أسّس لتحويل التعامل مع هذا العدو من تعاملٍ أساسُهُ النظر في الحق الفلسطيني، أو استرداد أرضٍ مسلوبةٍ إلى تعاملٍ أساسُهُ تثبيتُ حُكمٍ أو توَسُّعِ نُفوذ.
٥. مهما اضطرت دُولُنا إلى عقد المعاهدات، لِما ترجّح لديها من تحقيق مصلحة عامة، أو دفع ضررٍ محقق، فلا ينبغي جعلُ ذلك ذريعةً للتطبيعِ الشعبي مع العدو وأدواته، وسيبقى الاحتلال عدوًا لنا، ولن يكون مُرحبًا بالمُحْتَلِّ بين ظهرانينا، وسوف نُربي أبناءنا على أن كل ذرةِ ترابٍ من أرض فلسطين هي فلسطينية وليس لغير أهلها حقٌ فيها، وأن القدس الشريف هو عاصمة فلسطين، وأن المسجد الأقصى المبارك هو مسرى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وثالث أقدس بقاع الأرض، وبذلك فإن الذبّ عن حَرَمِه الشريف ليس واجب الفلسطينيين وحدهم، بل هو واجبٌ على كل مسلمٍ قادرٍ على وجه الأرض، وكل من استخف بواجب الدفاع عنه فهو آثم القلب مطموس البصيرة، وأن يوم التحرير آتٍ لا محالة بإذن الله تعالى.
٦. شدُّ الرحال إلى المسجد الأقصى الشريف سنة نبوية ثابتة مهجورة طوبى لمن أحياها، وجعل مجاورته أيام الزيارة في فنادق فلسطينية وأكل من مطاعمهم وابتاع من أسواقهم، ونال مع أجر الصلاة في المسجد الأقصى المبارك ثواب الرباط في سوحه أيام الزيارة، وهو أمر سبق تكرار الحث عليه مرارًا في الأعوام الماضية، فإن امتلاء ساحات الأقصى المبارك طوال أيام السنة بالزائرين من أنحاء المعمورة هو عمارة له، وسبب لجعل التعدي عليه أمرًا صعبًا.
٧. إن الاستمرار في استغلال الحق الفلسطيني، واستمراء توظيف قدسية المسجد الأقصى وساحاته المباركة في النزاعات السياسية بين الأطراف المنقسمة، أو جعلها جزأً من الشعارات الانتخابية الرخيصة، ورفع عقيرتها في الممارسات العدائية الإرهابية؛ لهو من أهم الأسباب في إنطفاء جذوة الاهتمام بهذا الحق لدى شرائح متسعة من الشباب، ونشأة حالة عدم المبالاة بما يطال ثالث أقدس بقاع الأرض من تهديدات، وذلك مع الضرر الذي أحدثه الانقسام الفلسطيني والاقتتال الداخلي بين الإخوة من مختلف فصائله ورمي كل فصيلٍ الفصيلَ المنافس بأقذع الأوصاف، والاتهامات المتبادلة بينهم بالعمالة والفساد والإرهاب، واستمرار هذا التنازع المقيت على حُكم دولة لا نفوذ لسُلطانها على أرض الواقع.
٨. إن حالة الانقسام الشديدة والعداء المتصاعد بين دُوَلِ منطقتنا، وإصرار البعض على بسط نفوذه من خلال تهديد وجود غيره، واستخدام الأطراف المتناحرة كل وسائل التحريض والاستعداء دون رعاية لحق أخوة أو معاملةِ ورَعٍ أو خُلُق لهو من أهم أسباب ظهور العدو علينا قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.
وأخيرًا..
لا سبيل إلى الخروج من كل هذه البلايا إلا بتقوى الله تعالى، وصدق الالتجاء إليه، وتصفية القلوب مما علِقَ بها من أدران، وتزكية النفوس مما عراها من سوء، وتصحيح التوبة، وقوة الالتجاء الى الله، وانقطاع الرجاء عن غيره، ونفي أوهام امتلاك سواه للحَوْل والقوة والصولة والقدرة والنصرة والعطاء والمنع والضر والنفع، فكل ما سوى الله باطلٌ وهو سبحانه الحق المبين.
اللهم رُدّنا إليك مردًا جميلًا، ووفقنا لما تعلمه من الحق، واهدنا سُبل الرشاد، واقطع علائق قلوبنا عن التعلّق بمن دونك، واجعلنا من قومٍ تحبهم ويحبونك، واحفظ اللهُمَّ المسجد الأقصى واحفظ المرابطين بسوحه، وأيقظ الأمة من غفلتها عن واجب نصرته، وعجّل بالفرج يا ذا الجلال والإكرام.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=9541