في حلول ذكرى القتل والموت… في حلول ذكرى الدماء والدموع، في حلول ذكرى الرعب والخوف، في حلول ذكرى الهلع والفزع، في حلول ذكرى اليتامى والأرامل والثكالى… ، في حلول ذكرى التفجيرات والهدم والردم… في حلول هذه الذكرى الرهيبة بهذا الزخم البئيس وهذا العنف الخسيس… لا يسعني إلا أن أقول رحم الله قتلى المسلمين، وأسكنهم فسيح جناته، وأفرغ الله الصبر على كل مصاب في نفسه أو في أهله، أو في ماله وعياله… بصرف النظر عن دينه وعقيدته وجنسه ولونه. فالظلم ظلم، ولا مكان له في قلب المسلم، وتحت أي ذريعة أو حجة. وفي الحديث القدسي [ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا] والخطاب من الله تعالى لعباده، كل عباده، مسلمين ونصارى ويهودا ومجوسا وملاحدة وبوذيين وغيرهم… كل عباده سبحانه وتعالى.
إنها ذكرى تفجيرات الجهل والجاهلية. إنها تفجيرات الطيش والهمجية. إنها تفجيرات بدون هدف ولا معنى، بدون سند ولا سداد، تفجيرات أقل ما يقال فيها أنها من عمل الشيطان.
لقد صنفت هذه التفجيرات على أنها أعمال جهادية من قوم جهاديين… وحاشا لله أن يكون هذا من الجهاد في سبيل الله. وقيل بأنها ممن يحسبون على السلفية… وحاشا لله أن تكون السلفية أمّارة بالقتل الحرام. وقيل بأنها جمعت بين المعنيين كليهما [سلفية جهادية] وحاشا لله أن يكون شخص شم رائحة التوحيد وذاق للإيمان حلاوة وتخلق بأخلاق النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم… أن يقتل الناس بهذه العشوائية وهذه الوحشية والهمجية… باسم السلفية الجهادية.
فهل أقول بأن الانتحاريين أنفسهم ضحايا هذا الإجرام الفظيع؟ ربما… بل أكاد أجزم، فهم حديثو عهد، ليس بالتدين فقط، ولكنهم حديثو عهد بالحياة نفسها… فسهل على المروضين الأشرار ترويضهم على عشق الموت والقتل والدماء والأشلاء… والتغرير بهم لارتكاب فعلتهم التي هزت مغرب السلم والسلام، ومغرب التسامح والاستثناء هزا أعنف من العنف وأشد من الشدة.
لكن من هم هؤلاء المروضون الأشرار؟ هذا هو السؤال…. والذين رموني شخصيا ورموا كثيرا غيري بهذه الفرية، فرية الترويض أو التنظير للتفجير،… والذين ألصقوا بي وبكثير غيري هذه الجريمة… والذين حسبوا أن لنا يدا أو صلة بهذه الأعمال الشيطانية… هؤلاء جميعا أقول لهم لئن ظننتم ذلك متأثرين يومها ببعض الأصوات الرعناء والمتحاملة بالباطل… فأنتم أيضا من ضحايا هذا الإجرام، وذاك الإعلام، وضحايا ما صدر فينا من أحكام. إذن سامحكم الله.
أعود لأقول: لقد كنا من ضحايا تفجيرات الدار البيضاء الإرهابية بشكل مباشر بما صدر في حقنا من إدانة ظالمة وأحكام خيالية لا تقوم على دليل ولا بينة… فعانينا سنوات طويلة في سجون كثيرة… وعانى أهلونا وأطفالنا فوق ما يحتمله المحتملون جراء ذلك… والوصف يطول ويطول…
واليوم وقد أعاد لنا الملك مشكورا شيئا من الاعتبار، ونرجو المزيد… واليوم وقد هدأت النفوس وتبين الشعب الخيط الأبيض من الخيط الأسود… وعرف القاصي والداني أننا أبرياء من كل ما حصل ليلة 16 ماي 2003م تعالوا لنفتح صفحات جديدة على طريق التغيير السلمي والآمن… على الطريقة المغربية الأصيلة… التغيير مع الاستقرار والاستمرار…
لا شك أنه مطلب نبيل…. ومن أجل ذلك، لا بد من صدّ “ماكينة” صنع “الإرهاب” وثقافة القتل والعنف… وهذه “الماكينة” ليست سوى خرجات طائشة تستهين بمقدسات البلاد الدينية والقيمية والتاريخية والوحدوية…. فقبل البحث في ثقافة التكفير والتحريض على العنف والكراهية، وهي ثقافة مدانة، لا بد من إعادة النظر في من يطعنون في مقدسات الأمة باللسان العربي الفصيح… نهارا جهارا… باسم حرية العقيدة أو حرية الرأي أو حرية الإبداع والتنوير وحرية حقوق الإنسان… وما إلى ذلك مما ليس له أي معنى إلا معنى الاستفزاز. استفزاز الناس في دينهم وأعراضهم… وصناعة البغض والكراهية وفكر التكفير والتحريض… وكل ذلك مدان شرعا وطبعا وعادة وعرفا…
تعالوا بنا لتجريم التطرف وتحريمه… وتعالوا بنا نطالب باستئصال شأفة العدوان على الدين ومقدسات البلاد الخالدة تحت أي ذريعة كانت… وفي رأيي من هنا يبدأ معنى التعايش في سلام… وتبدأ خدمة الوطن في أمان… {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
وكتبه أحد ضحايا تفجيرات الدار البيضاء الإجرامية…. محمد الفزازي المفترى عليه.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=1560