الجزء الأول / مع الفقرة الأولى
قرأت مقالك [لا تدعوا على عصيد] واستنتجت صدقك في الطرح والشرح، أقول صدقك – إن شاء الله – وليس توفيقك، حسب رأيي طبعا… ولا إخالك إلا واسع الصدر لسماع من يخالفك الرأي. والقضية في النهاية تدور على تدافع فكري، الرجوع فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]
فلا يمكن أن يكون بيننا تنافر في الرأي حول قضية حسم فيها الإسلام، لا سيما وأن المرجعية التي نحتكم إليها ـ أنا وأنت – في تصفية الخلاف مرجعية واحدة. وهذا بخلاف تحاورنا مع عصيد وأمثاله حيث المرجعيات مختلفة تماما، فضلا عن الإديولوجيات والأهداف والولاءات وغير ذلك كثير. فأنّى يتم التوافق والوفاق؟
وإليك ملاحظاتي على مقالك [لا تدعو على عصيد]
1 / قولك: [ما يدعو إلى القلق ليس ما قاله الناشط الحقوقي “أحمد عصيد” بخصوص رسائل النبي إلى ملوك عصره، والتي اعتبرها رسائل “تهديدية” و”إرهابية”، ولكن ما يبعث على الخوف هو تلك الردود “المتطرفة” و”العنيفة” ضد شخص له كامل الحق في التعبير عن آرائه ومعتقداته]
قلت: جميل أنك فهمت من تصريح عصيد حول الرسائل النبوية الكريمة ما فهمناه نحن. غير أن التقويم والحكم مختلفان كما سترى. فما قاله عصيد في حق نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر فظيع، غاية في الفظاعة. وصف رسائل النبي – بأبي هو وأمي – بأنها “إرهابية وتهديدية”، مع التذكير بالشحنة القدحية التي تحملها كلمة [إرهاب] في هذا الزمان، هو جهل فاحش بمضمون تلك الرسائل أولا، وهو طعن في النبوة نفسها ثانيا بحيث صاحب رسائل الإرهاب لا يمكن أن يكون إلا إرهابيا. وطعن في القرآن الكريم في الصميم، الذي يؤكد على أن ما يفعله وما يقوله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحي يوحى ثالثا، {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} [النجم: 3 / 4] وأنه رحمة للعالمين {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107] وقد أجمع الأئمة وحفّاظ الأمّة أن الطاعن في السنّة طاعن في شخص الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل طاعن في رب العالمين الذي أرسل هذا الرسول الأمين… فهل أخطأ الله تعالى في إرساله هذا النبي الكريم [الإرهابي] بفهم عصيد؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فكيف لا يدعو إلى القلق ما كان هذا هو حقيقة أمره؟
هذا من جهة، ومن جهة ثانية وصفك للردود على عصيد بأنها “متطرفة” و “عنيفة” وصف مجانب للصواب وفي غير محله أيضا. لقد تتبعت جل تلك الردود فوجدتها جميعها لا تعدو كونها متنفسا بسيطا جدا مقارنة لما لحق بالمسلمين من عدوان على نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى دينهم الحنيف… ولا يخفى عليك أخي عمر أن من طعن في ذاتك أو في عرضك وما شابه… لا يلومك أحد بردك عليه بالمثل لقوله تعالى { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } [البقرة: 194] {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: 40]… فكيف بمن اعتدى على نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أحب إلينا من أنفسنا؟ وأين التطرف والعنف في تلك الردود؟ إن أقصى ما قيل في حق عصيد هو ما جاء في تصريح الشيخ حسن الكتاني [مجرم] [عدو الله] ومع ذلك لم يطلب أحد بالاعتداء الجسدي على عصيد ولا حرض عليه، بالعكس كلنا طالبنا بحمايته حتى من أتباعه الذين قد يضحّون به في سبيل إشعال الفتنة كما لا يخفى…
شيئ آخر، لماذا لم نسمع منكم ولا من غيركم أي استنكار يذكر حينما هدد بعض المتطرفين الأمازيغ الشيخين حسن الكتاني وأبا حفص بالتصفية الجسدية؟ لماذا لم تستنكروا ما تعرضت له شخصيا في آخر مناظرة بيني وبين عصيد بالرباط من سب وشتم على رؤوس الأشهاد من تلاميذ عصيد وبحضرته؟ وقد كان من الحضور “الإسلامين” العشرات وكان بالإمكان أن يتحول الحوار إلى خوار. لا قدر الله. ولكنهم متحضرون فوق ما تتصورون.
قولك بأن عصيد [شخص له كامل الحق في التعبير عن آرائه ومعتقداته] فيه غموض كبير حتى لا أقول مغالطة. الحق في التعبير عن الرأي والمعتقد مكفول للجميع وليس للعلمانيين فقط. لماذا عندما نعبر نحن عن آرائنا تسمون ذلك تطرفا وتهديدا؟ أو ليس ذلك تعبيرا عن رأي ومعتقد؟ لماذا ينالنا من أوصاف التكفير غير قليل مثل “متأسلم” “ظلامي” “متزمت” “إرهابي” “متطرف” إلخ… في حين لم نقم إلا بالتعبير عن معتقداتنا وآرائنا… أعلم أن جوابك سيكون – ربما – بأن آراءنا تنتج أفعالا إرهابية وعنيفة إلى غير ذلك… في حين تصريحات غيرنا هي مجرد آراء ليس إلا. ويكفي أن أنبهك أن أمثال تصريحات عصيد هي ما يصنع ما تسمونه التطرف والعنف. لا تدينوا رد الفعل وتزكّوا أو تسكتوا عن الفعل نفسه… فهذا ظلم عظيم.
ومعلوم أن ما صدر عن عصيد من تصريحات مسيئة في حق رسائل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ليس فلتة من الفلتات يمكن أن نحملها على محمل الخير بالنظر إلى ما يشفع له من دفاع سابق عن الإسلام وتمجيد لشريعة رب العالمين والتزام بملة التوحيد… فإن الرجل له من الطعون في الإسلام أحمال تنوء بحملها الجبال، بل إن الرجل كرس حياته كلها على محاربة الإسلام والمسلمين في دينهم وعقيدتهم وعبادتهم وتاريخهم ولغتهم وأخلاقهم… وبين يديك من تصريحات الرجل في هذا الشأن ما لا يكاد يحصى… حتى إنه قال للمسلمين بعد ذكره لمبدأ الحلال والحرام والقيم وما إلى ذلك، قال لهم [لكم دينكم ولي دين] وقال [الإسلام أصبح متجاوزا الآن] وغير ذلك كثير… وإن شئت زودناك أخي عمر بكل تصريحاته مسجلة وموثقة تقطع عليك كل طريق أمام حمل تصريحه الأخير على المحمل الحسن أو البحث له عن معاذير أو إحسان الظن به… قال الله تعالى { وَلَا تَكُنْ لَلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } [النساء: 105] فالنيابة عن المُبْطِل لا تجوز. رعاك الله.
{jathumbnail off}
المصدر : https://dinpresse.net/?p=1395