الأنجري يكتب عن موقف الإمام عبد السلام ياسين من رئاسة المرأة للدولة

تعليقا على التفهيم 94 للدكتور إدريس مقبول

محمد ابن الأزرق الأنجري
دراسات وبحوث
محمد ابن الأزرق الأنجري16 سبتمبر 2020آخر تحديث : الأربعاء 16 سبتمبر 2020 - 2:36 مساءً
الأنجري يكتب عن موقف الإمام عبد السلام ياسين من رئاسة المرأة للدولة

anjari  - دين بريسمحمد ابن الأزرق الأنجري
أثلج صدري أن يكون أخي الدكتور إدريس مقبول –وهو الإطار الكبير في مدرسة الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله- وراء هذه السلسلة المفيدة الماتعة من التفهيمات والمراجعات والقراءة النقدية البناء لمشروع ضخم.
تأملت التفهيم 94 فألفيت الدكتور إدريس متحرّرا من القداسة التي يضفيها بعض تلامذة الإمام على فكره، وهو تحرّر صحي من شأنه تطوير التصور “المنهاجي” وتنقيحه ليكون ملائما صالحا للّحظة التاريخية.
لم تقف أقوال الفقهاء ولا تقريرات الإمام ياسين عائقا أمام عقل وقلب صاحب سلسلة التفهيمات، حيث رفض بهدوء فكرة عدم صلاحية المرأة لمنصب الإمامة العظمى (رئاسة الدولة).
الإمام عبد السلام ياسين –قدّس الله سرّه- يبقى في العموم فقيها تقليديا محافظا، مهما كان له من تنوير وتجديد، لذلك شايع مقولة احتكار الذكور لمنصب رئاسة الدولة، محتجّا بأن تاريخ المسلمين لم يعرف امرأة تولّت ذاك المنصب، وبطبيعة الحال فهو يقصد منصب الخليفة إذ لا يجهل أن شجرة الدّرّ قادت الدولة المصرية شهورا تحت راية الخليفة العباسي.
وقد أجاب الدكتور مقبول بفطنته على هذه الجزئية بأن تاريخ المسلمين الذي لم يشهد وصول امرأة لمنصب الإمامة، هو (تاريخ من الانقلاب والتسلط والانحراف عن الشورى وغياب الأمة بأجمعها عن مسرح الحياة)، وأضاف أن (ما جاء به الفقه السلطاني هو تكريس للذكورة ولمنطق الغاب).
ولست أدري كيف غاب عن الإمام ياسين هذا الملحظ القوي، وهو الذي بنى جانبا من فكره على ما أسماه الانكسار التاريخي وتحول الحكم من خلافة راشدة إلى ملك عضوض فجبري.
إنه لا يليق بفكر هذا أساسه أن يحتج بغياب المرأة عن مسرح الأحداث السياسية في تاريخ المسلمين، لأنه لا يقوم حجة ولا برهانا.
وأما استدلال الإمام ياسين بأن الذكورة شرط في قيادة الجيوش والجهاد اللذين يستلزمان “قوة العضل في الرجال ورَباطة الجأش”، فقد فنّده الدكتور مقبول بأن إدارة الدولة اليوم لا يحتكرها شخص واحد ولا يستطيع مهما كان، (وإنما تدير الحكم معه إدارات ومؤسسات ودوائر استشارة متعددة)
ولو أن الإمام استحضر تجارب الدول الناجحة بقيادة النساء في ظل مؤسسات وهيئات، ما انتصر للفقه السلطاني بتلك الحجة.
كما أنه رحمه الله استعان بحديث: “لن يُفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة”، وهو حديث ردّ الدكتور مقبول حجّيته بالنظر للخلاف حول سنده ومتنه، مشيرا إلى أن مضمونه على فرض ثبوته “مشروط بشروط تاريخية وجب تجاوزها”، وأنه مجرد “إخبار بحال من التدهور الذي أصاب أركان الدولة الفارسية” فلا “يدخل في باب التشريع بحال”.
وقد أصاب حفظه الله، إذ الحديث آحادي مظنون من جهة سنده، لا يصلح لبناء الأحكام الشرعية الثقيلة عليه، ثم إنه قيل –على فرض ثبوته- في سياق التعليق على قيادة امرأة الدولة الفارسية المنهارة المتصارع قادتها على الملك، في فترة كانت الرجولة والقوة العضلية شرطا واقعيا في نجاح التملّك.
والغريب أن الإمام عبد السلام لم يستنبط من قصة ملكة سبأ التي شهد لها القرآن ولقومها بالفلاح تحت قيادتها ضعف الحديث أو حاجته للتأويل.
إن الإمام كان واقعا تحت هيبة الأحاديث وسطوتها، لذلك فاته الغرف من القرآن مباشرة، وهو عليه الرحمات الداعي للقرآن حفظا وتدبرا وعملا.
بقي دليل آخر احتج به الإمام، وهو قياس رئاسة الدولة على إمامة الصلاة، ذاكرا أن الرجل يؤم الجميع بينما تؤم المرأة النساء فقط، لذلك ليست متأهلة للإمامة العظمى.
ولم أرَ أخي الدكتور مقبول تعرّض لهذه الحجة.
بغض النظر عن موقفي الصريح بأن المرأة لها أن تؤم الرجال والنساء، إذ لا يوجد أي برهان شرعي يمنعها من ذلك، فإنني أستغرب كيف يماشي العبقري عبد السلام ياسين الموروث الفقهي فيبني منع المرأة من رئاسة الدولة قياسا على منعها من إمامة الصلاة.
ما وجه العلاقة بين الأمرين؟
وهل يجب على الحاكم أن يؤم الناس في الصلاة؟
وهل يصلح كل رجل إمام للصلاة لقيادة الدولة ورئاستها؟
وهل يستحق إمامة الصلاة كل قائد ناجح في حكم الدولة؟
إن القياس في هذه الحال فاسد لا معقولية له، ولو كان منعُ المرأة من الإمامة منصوصا عليه قرآنا.
فكيف والمنع مجرد ظنون واستنتاجات نابعة من الأعراف والعادات لا الآيات البينات.
إن إمامة الصلاة غير الحكم.
والإمام للصلاة قد لا يتمكن من تسيير بقالة فضلا عن دولة.
وشرط القياس –عند القائلين به- أن يكون المَقيس عليه أو ما يسمى الأصل منصوصا على حكمه بصراحة ووضوح في كتاب الله أو حديث رسوله.
وهذا شرط منعدم في مسألتنا، ناهيك عن الشروط الأخرى المنتفية.
ونستطيع الخلوص إلى أن نظرة الإمام ياسين رحمه الله لمسألة رئاسة المرأة للدولة، نظرة تراثية محافظة تقليدية، لا تستطيع تجاوز الموروث الفقهي.
لكن وجود أصوات جريئة رصينة من بين أبناء الإمام تسعى للمراجعة والنقد والتطوير، أمر مهم للغاية يبشّر بالطمأنينة على فكر ممتد متجذّر.
وأرى أخي الدكتور إدريس مقبول أحد تلك الأصوات الأمينة الجديرة بوظيفة تجديد الفكر المنهاجي وتهذيبه ليمتدّ أكثر ويترسّخ.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.