أصول مدرستنا التنويرية: الفرض الواجب الشرعي الخالد

محمد ابن الأزرق الأنجري
دراسات وبحوث
محمد ابن الأزرق الأنجري11 أغسطس 2020آخر تحديث : الثلاثاء 11 أغسطس 2020 - 9:14 صباحًا
أصول مدرستنا التنويرية: الفرض الواجب الشرعي الخالد

محمد ابن الأزرق الأنجري
الفرض الواجب الحتم اللازم الشرعي الخالد إلى يوم القيامة، والذي يأثم تاركه المسلم بلا عذر وقد يعاقب؛ هو ما أوجبه كتاب الله حصرا.
فليس فرضا أي شيء أمرت به الأحاديث لأنها آحاد توجد نسب من الشك في ثبوتها عن رسول الله، ولأن النبي رسول يبلّغ عن الله ما في كتابه دون أن يملك حق الفرض والإيجاب، ولأنه كان يأمر بصفته حاكما رئيس دولة وقائد مجتمع، ولأنه رفض تدوين حديثه … فما صح من أوامره المستقلة عن القرآن، المتصلة بالعبادات والتدين، هي مستحبات وسنن يثاب المقتدي به فيها ولا يأثم تاركها.
والفروض الدينية الواجبة في كتاب الله أقسام:

القسم الأول: العقائد: وهي الأخبار التي تضمنها كتاب الله، فيجب الإيمان بها والتصديق، كالوحدانية والجنة والنار والملائكة والجن والشياطين والكتب والرسل… فإن الإيمان بكون القرآن كلام الله يستلزم التصديق بما أخبر به.
القسم الثاني: العبادات المأمور بها بصيغ تفيد الوجوب: من ذلك الصلاة وصيام رمضان، فقد جاء في كتاب الله الإخبار بأنهما مكتوبان، كما ورد الوعيد على ترك الصلاة، وكذلك حج البيت لأن القرآن لم يكتف بالأمر المؤكد به، بل جعل الإعراض عنه كفرا، فبالغ في ذم تاركه القادر عليه، ثم الزكاة (الإنفاق في سبيل الله) ، فقد ألح القرآن على ذلك في عشرات المواضع، وتوعّد بشدّة الكانزين الذين يبخلون ويقبضون أيديهم، والوعيد والتهديد لا يمكنه إلا إفادة الإلزام والوجوب.
القسم الثالث: القيم الكونية المجمع عليها بين البشر كالعدل والصدق والأمانة… فقد أمر بها الكتاب في مواضع كثيرة مع الذم على تركها وتحريم أضدادها، والذم من صيغ الإلزام ولو تعرّى عن صيغ التحريم.
وهناك أوامر في كتاب الله خاصة بمجتمع النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، ذلك أن القرآن كان يسوسهم ويساعدهم في تأسيس دولتهم وبناء نظامهم.

فهي تاريخية ظرفية، ليست ملزمة لمن بعدهم، من ذلك:
أولا: الأوامر العسكرية المباشرة، كما في قوله تعالى من سورة التوبة: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
ثم قوله في السورة ذاتها: (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ)…
فالقرآن هنا يقوم بتحريض الصحابة في سياق حروبهم وغزواتهم ضد أعدائهم المحاربين لهم، وليس بصدد إصدار الأوامر الواجبة شرعا في كل زمان ومكان.
ثانيا: الأوامر الاجتماعية أو الاقتصادية المراعية للعادات والأعراف القديمة، من ذلك اشتراط شهادة رجلين أو رجل وامرأتين في توثيق الدين، فإن موظفة حكومية واحدة تقوم اليوم شهادتها مقام عشرة من الرجال زمن النبوة.
ومن ذلك تفضيل الابن في الميراث على البنت، وكذلك الزوج على الزوجة، والأب على الأم، والأخ على الأخت، فإن ذلك خاص بعصر الصحابة والمجتمعات الشبيهة لمجتمعهم في الأعراف والعادات. وقد كان توريث الأنثى مع الرجل المساوي لها في الدرجة ثورة على عادة الجاهلية في حرمانها لأن أخاها أو أباها أو زوجها هو وليها وعائلها وحاميها.
فمن حق المؤسسات التشريعية أن تعيد النظر في أنصبة المواريث وتقوم بتعديلها بما يتماشى وواقعنا.
ثالثا: العقوبات والحدود، فإنها حق الدولة، تكيفها كما تراه مناسبا، ولا يجب عليها التطبيق الحرفي للعقوبات كما وردت في القرآن الكريم، فإنها كانت توجيها مؤقتا ما قبل الدولة الحديثة التي أوقفت حدود القتل والسرقة والزنا… وجعلت مكانها عقوبات السجن والغرامة.
ولو كانت الحدود القرآنية واجبة توقيفية على سبيل الدوام، ما جعل القرآن لوليّ المقتول عمدا الحق في العفو عن القاتل، وإنه لا جريمة فوق القتل العمد، فالعفو فيما سواها أولى.
والقاعدة التي قررها الأصوليون والفقهاء: “الأمر في القرآن يفيد الوجوب”، لا نقبلها هكذا بإطلاق، بل بالقيود المتقدمة.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.