هل من المقبول استمرار ضرب التلاميذ في البيئة المدرسية؟

ذ محمد جناي
2020-09-17T10:12:44+01:00
تقارير
ذ محمد جناي17 سبتمبر 2020آخر تحديث : الخميس 17 سبتمبر 2020 - 10:12 صباحًا
هل من المقبول استمرار ضرب التلاميذ في البيئة المدرسية؟

ذ. محمد جناي
لايزال للعقاب البدني في المؤسسات التعليمية المغربية أنصار ومؤيدون ، من داخل المنظومة التعليمية ،فهناك شريحة واسعة من المدرسين يحملون اعتقادا جازما بأن العقاب الجسدي أو ضرب التلميذ يمثل أسلوبا تربويا مفيدا، ويكادون يتفقون على حجة موحدة ،بأن العقاب البدني هو أسرع طريقة لصناعة الأجيال الصالحة ، ويضربون مثالا بأنفسهم عندما تعرضوا للضرب والرفس والركل وهم صغار ولم يؤثر عليهم بالسلب ،وبالعكس فهذا الأسلوب التربوي -من وجهة نظرهم – يعود له الفضل في تخريج الأطباء والمهندسين والأساتذة والأجيال المؤثرة في المجتمع.

لم تكن هذه الطريقة التقليدية مقنعة لبعض الأساتذة الذين لهم حمولة إيديولوجية حقوقية داخل الأوساط التعليمية ، لذا تعرضت للمنع القاطع لأي سبب كان ،ولكن المؤيدون لها من مدرسين وإداريين لا زالوا يتحسرون على تلك الأيام الخوالي التي يملك فيها المعلم صلاحية مطلقة في معاقبة التلميذ، كيف يشاء ومتى يشاء وبأي طريقة كانت دون حسيب أو رقيب ، بتأييد من أولياء الأمور أنفسهم ، لأن أولياء الأمور أنفسهم يحملون المعتقد نفسه، بأن العقاب البدني هو أفضل طريقة لصناعة الرجال كما يعتقدون .

كان مدير المدرسة -,كشاهد على هذه الحقبة في الثمانينات – يعاقب التلاميذ الأشقياء بصورة جماعية ، أمام أعين جموع التلاميذ حتى يكون التلميذ المشاغب عبرة البقية ،وكان مشهد المدير أو المعلم وهو يعاقب التلميذ بالعصا أمام زملائه مشهدا يوميا معتادا لايثير حفيظة أحد ،وهذه الطريقة العقابية التقليدية لازالت تحظى بعين الرضا بين شريحة كبيرة من الأساتذة والإداريين ، حتى مع قرار المنع الذي أفقد الأستاذ هيبته ومكانته فقد كانت ذلك العهد التي يحمل فيها المعلم العصا وهو يتنقل بين الحجرات الدراسية دون أن تفارقه دقيقة واحدة هي فترة ذهبية للمعلم يحلم بعودتها شريحة لايستهان بها من الأساتذة.

هذه القناعات المنتشرة حتى مع وجود قرار المنع ، تحيلنا لمشكلة أخرى وهي أن المدرس لازال غير قادر على التعامل باحترافية ومنهجية مع المتعلم وفق مناهج وطرائق علم النفس التربوي الحديث، فسلوك المتعلم داخل المدرسة يجب أن يرضخ لأساليب تربوية مختلفة عن أسلوب العقاب الجسدي والضرب بالعصا،بمعنى أن رئيس المؤسسة والطاقم التربوي العامل بها يجب أن يكونا على دراية كبيرة بسلوك المتعلم المعقد والعمليات العقلية الذهنية المصاحبة لهذا السلوك ، مثل التفكير والإدراك والانفعال والدافعية وغيرها ، حتى يسهل فهمه وضبطه ويسهل توجيهه والتأثير فيه بشكل مرغوب به لتحقيق الأهداف المرجوة من العملية التربوية برمتها.

وأن الهدف الرئيسي للعملية التربوية في مجال التعليم هو أن يقوم المدرس بمساعدة التلميذ على النضج بشكل يتناسب مع سنه، وأن يكمل الدور الذي تقوم به الأسرة في التربية، بتقويم الأخطاء التي تقع فيها إذا لم يكن المستوى الثقافي لأفرادها مقبولاً، حتى لا يعود التلميذ إلى تكرار السلوك الاجتماعي أو الخروج عن النظام المدرسي، فإذا كان التلميذ في المدرسة عدوانيا أو متمردا، فإن وظيفة المدرسة بوصفها مؤسسة تربوية أن تعرف لماذا أصبح هذا التلميذ كذلك، وأن تحاول بالوسائل البنائية التربوية تعديل سلوكه باستخدام الترغيب ثم الترهيب، أو الثواب ثم العقاب، وهنا لا بد من الإشارة الى أن العقاب البدني أو النفسي وإن كان مفيدا في المدى القصير من حيث آثاره في تحسين الاستجابة، إلا أن ضرره في المدى الطويل يفوق نفعه، وذلك لأنه يزرع في نفس التلميذ ألا يقوم بواجباته أو المذاكرة إلا بالعقاب لا العقل. وفي بعض الأحيان يثير لديه ردود أفعال انتقامية، وخاصة أن العقوبة البدنية يوقعها المعلم وهو في حالة غضب، ومن ثم يدرك التلميذ أنها عقوبة ظالمة.(1)

يقول تقرير لمنظمة اليونيسيف الدولية إن العنف داخل البيئة المدرسية ينتشر في عدد كبير من الدول العربية، حيث تجيز الثقافة والعادات العقاب الجسدي، ويُعتبر العنف النفسي أكثر أشكال التأديب شيوعاً في المدارس العربية، فضلاً عن انتشار التأديب بالضرب. وتشير الدلائل إلى أن أشكالاً عدة من عنف المدارس ما زالت تمارس في دول عدة، وعلى الرغم من حظر العقاب الجسدي في المدارس في جا هذه الدول فإنه ما زال يُمارس ولا تزال البلاغات تتوالى عن حالات عقاب جسدي في العديد من المدارس العربية.(2)

وبالرغم من أن جل وزارات التعليم في البلدان العربية تمنع العقوبات الجسدية بكل أشكالها، إلا أنها تقر بأن هناك الآلاف من الأساتذة الذين يمارسون ضرب التلاميذ كأحد أشكال العقاب، وبطبيعة الحال ليس هناك أي مبرر لضرب التلاميذ بل هناك برامج عقاب وثواب وبرامج التعديل السلوكي، والضرب في المدارس له آثار سلبية في تكوين شخصية الطالب منها خوفه من المدرسة والقلق المستمر وانفصام الشخصية والميل إلى العزلة والعزوف عن التحصيل العلمي.

و أن قيام منظومة التربية و التعليم على العنف يدل على تخلفها، وأنه لن يؤدي إلى وجود تلاميذ أسوياء، بل سيخلق إنسانا جبانا متخلفا غير قادر على اتخاذ قرار، بل وغير قادر على السير في الحياة من دون إرهاب نفسي يصل إلى درجة العنف مهما كانت سنه كبيرة، ولكن للأسف فإن من يلجأون للضرب سواء من الأساتذة – عن قصد أو غير قصد- أو الأسرة هم في الحقيقة تربوا على هذا الأسلوب المتوحش والعدواني، ولهذا لديهم يقين بأن أطفالهم لن يفهموا إلا بالضرب، ويغفلون جانباً مهماً جداً هو أن التلميذ سيفقد جزءاً مهماً من شخصيته نتيجة الخوف والقلق والارتباك، ولهذا فنحن في حاجة ماسة إلى تغيير ما في عقول الآباء والأمهات قبل المدرس.

والتلميذ -بحكم تجربتي الطويلة نسبيا في القسم – حينما يعيش على التشجيع يتعلم الإقدام والثقة بالنفس، وحينما يعيش المديح يتعلم التقدير والإعجاب، وحينما يعيش المساواة يتعلم العدالة، وحينما يعيش على الأمن يتعلم الثقة بالنفس، وحينما يعيش على الاستحسان يتعلم تقبل الذات، وحينما يعيش على القبول والصداقة يتعلم كيف يحب في هذا العالم، وحينما يعيش التسامح يتعلم الصبر، ولكن حينما يعيش الطفل على السخرية يتعلم الخجل، وحينما يتعلم الإدانة يتعلم الاتهام، وحينما يعيش على الشعور بالإثم يتعلم الشعور بالذنب، وحينما يعيش الطفل الشعور العدائي يتعلم العنف، فمثلاً مرحلة المدرسة الإبتدائية يجب أن تكون أشبه بحديقة الأطفال الذين هم مثل نباتات الحديقة، يجب أن نتولاها بالعناية الفائقة لتنمو وتزدهر، وأن نهتم بقيمة اللعب والخبرات الحسية بالأشياء كأساس لتعلم الطفل، وتتضمن مبادئه إعداد الأطفال ليعبروا عن ذاتهم وينموا شخصياته(3)

ومن أجل القضاء على العنف في المدارس ،يجب على جميع أفراد المجتمع المدرسي إدراك الأثر المدمر للعنف على الأطفال،وأن يؤمنوا أن منعه أمر ممكن وأن يكونوا مستعدين للقيام بدورهم في عملية جعل المدارس آمنة.
ــــــــــــــــــ
(1): جريدة الخليج “هل يقر الإسلام العقاب البدني ضد التلاميذ؟”بتاريخ 2009/4/24 -ملحق الدين للحياة-.
(2):نفس المصدر
(3):مصدر سابق و بتصرف يسير.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.