ذ. محمد جناي
إن الخطة التي أعلنت عنها الوزارة الوصية على قطاع التعليم لبدء انطلاقة العام الدراسي الجديد 2021/2020، لم تكن بمعزل عن خارطة الطريق التي تبنتها جميع دول العالم؛ حفاظًا على سلامة الجميع من تبعات هذه الجائحة بالتدابير الاحترازية؛ ولهذا كانت خطة الوزارة قائمة على جس نبض المجتمع وفي نفس الوقت تحتفظ لنفسها برؤيتها الخاصة للدخول المدرسي الناجح، خاصة بعد أن أثبتت المعطيات الراهنة عالميًا أن العودة الفعلية إلى قاعات الدرس لا تسلم من المخاطر، ولا تضمن السلامة في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي تجتاح العالم.
ولهذا فإني لا أبالغ إذا قلتُ إن وزارة التعليم عندنا قد تميزت أيَّما تميُز حينما أعلنت حيثيات خطتها أمام المجتمع -وقد يستغرب البعض من هذه الخطة التي تظهر الوزارة وكأنها تريد التملص من مسؤولياتها تجاه ضمان دخول مدرسي ناجح -، وآلية تنفيذها لانطلاقة بدء العام الدراسي الجديد بعد أيام قليلة، مع الأخذ في الاعتبار -حسب ما يستجد في قابل الأيام- جميع الاحتمالات القائمة، والخيارات المتاحة.
وصحيح -أيضًا- أن تجربتنا في السنة الماضية في التعاطي مع التعلّم عن بُعد كانت مرتبكة وغير مثمرة بالمرة بكل المقاييس والمعايير؛ وفقًا للشواهد الحية والأدلة القائمة، خاصةً بعد أن خاض تعليمنا تجربة التعلّم عن بُعد خلال الفترة الأولى من تعليق الدراسة حضوريًا، وهو ما أدَى إلى إكساب هذا القطاع بالرغم من ذلك خبرة جيدة، الأمر الذي سينعكس إيجابًا على العملية التعليمية ونواتجها المرجوة في هذه المرة.
والنقاش حول عودة فلذة أكبادنا إلى المؤسسات التعليمية، أصبح حديث الساعة داخل الأسر المغربية، وهو حوار مفتوح داخل المجتمع، وبينما تضع الوزارة في حسبانها سيناريوهات إعادة فتحها، تظهر تساؤلات أهمها: كيف سيكون حضور التلاميذ إلى المدارس؟ وهل هو خليط بين التعليم عن بعد والحضور المدرسي أم حضور كامل؟ وماذا عن سن التلاميذ الذين سيعودون للمدرسة قبل الآخرين؟ وكيف ومتى سيتم إجراء الفحص لأطقم الأساتذة والعاملين بالمؤسسات؟
ونحن نعلم أن ثقافة الالتزام بقوانين الوقاية من كوفيد-19 والإجراءات الاحترازية، تتراوح ما بين الملتزم إلى المستهتر، بل الكارثية لدى بعض العاملين بالمؤسسات وأسر التلاميذ! ومن يستطيع وقف العدوى في ظل التنقلات الجماعية للتلاميذوالعاملين؟ وكيف نمنع العدوى من الانتقال من البيت إلى المدرسة أو العكس؟
نعم إن تكلفة حضور التلاميذ في عالم افتراضي مُكلفة، ولكنها تجربة أقرب للواقع المدرسي الحقيقي، وبالإمكان تطوير هذه المنظومة، ليشعر المتعلم من خلالها أنه بالفعل حاضر بين أقرانه في الفصل الدراسي، وأيضا طرح حلول ذكية كثيرة، ولم لا؟ ففي البيوت هناك شخص أو أشخاص هم من بين الأكثر عرضةً للخطر إذا ما أصيبوا بالفيروس كالمسنين، وهل توجد خريطة توعوية افتراضية تفاعلية لأولياء الأمور، لمعرفة إذا ما كانت مدارس أبنائهم التلاميذ ليست في المناطق الأكثر انتشاراً للفيروس التاجي؟ ونسبة إصابة وتعافي أسر التلاميذ والعاملين في كل مدرسة؟ وهل هم يعملون في مهن احتمالية الإصابة فيها بالعدوى مرتفعة؟
فلماذا لا يتم بدايةً فتح المدارس بالمناطق الأقل في معدل الإصابات كتجربة، وبعدها يتم التدرّج في فتح المؤسسات، من خلال فتح فصول تجريبية في كل مرحلة، ويليها تقييم موضوعي، لكون الكثير من التلاميذ لا تظهر عليهم أية أعراض، على الرغم من إصابتهم، وبالرغم من أنه لا يوجد دليل بعد على حالات تفشٍ كبيرة مرتبطة بانتقال العدوى في البيئة المدرسية، ولكن ذلك كله يرتبط بالمجتمع وثقافته وممارساته ووضعه الصحي العام.
وهل يسعنا إلا أن نذكر أن تعليم الأطفال كيفية غسل أيديهم بشكل صحيح وأدب السعال والعطاس والكحة لايكفي؟ وكم مرة في اليوم سيغيرون الكمامات الواقية؟ وأين هي الدراسات العلمية التي تقول إن ارتداء طفل بسعة رئتيه الصغيرتين، ووضع بدني وصحي غير مثاليين وتغذية غير ملائمة- هذا وإن لم يكن يعاني من أحد الأمراض المزمنة – لكمامة لمدة زمنية طويلة خلال اليوم المدرسي هو أمر مقبول؟ وهل نعلم عواقبه المستقبلية؟!
إن دور الأسرة والوعي المجتمعي هما المحك في إنجاح تجربة التعلّم عن بُعد، بوصفه أحد أهم الأساليب التعليمية والمعرفية في العصر الحاضر، في ظل هذه الظروف الاستثنائية.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=9634