ورقة تاريخية عن بلدة ‘لَخْنِيكْ’

دينبريس
2019-11-01T17:09:07+01:00
تقارير
دينبريس11 فبراير 2016آخر تحديث : الجمعة 1 نوفمبر 2019 - 5:09 مساءً
ورقة تاريخية عن بلدة ‘لَخْنِيكْ’

المسجد الذي بني على أنقاد المسجد القديم وبجانبه ضريح سيدي أعمر
المسجد الذي بني على أنقاد المسجد القديم وبجانبه ضريح سيدي أعمر
تقع بلدة (لخنيك) بتراب جماعة السعيدات بإقليم شيشاوة، وهي على شهرتها ومكانتها التاريخية وماضيها النضالي ضد الغزاة البرتغاليين وإشعاعها العلمي والاجتماعي لم تعد شيئا مذكورا،

وصارت نسيا منسيا حتى من قبل بعض أبنائها المعاصرين المنحدرين من صلب صلحائها السباعيين المجاهدين..مما يتوجب معه النبش في تاريخ هذه المنطقة المباركة لكشف الغموض التاريخي المخيم على الخيوط التي يمكن أن تفضي بنا إلى الوقوف على ميكانيزمات التاريخ الحقيقي لهذه البلدة العريقة.. وهنا نرى لزاما علينا أن نبين جانبا من أصولها وفروعها لتتحمل الأجيال الحاضرة مسؤوليتها التاريخية والدينية والحضارية والاجتماعية.باعتبارها شاهد عيان على ما تبقى من آثارها المعمارية المتمثلة في مزاراتها المباركة، وقبابها الشامخة وبناياتها الراقية التي تدل على مستوى حضاري رفيع لمشيديها ومصممي صروحها الشامخة وبناياتها الضخمة.. ومآثرها العجيبة الآيلة جميعها الآن إلى الانهيار والاندثار، ما لم يهب الغيورون على المآثر الإسلامية عامة والمغربية خاصة إلى إنقاذها من الزوال والاندثار. والغرض من هذه الورقة تسليط الأضواء على جانب من تاريخها في الخلاصات التالية:

1ـ أصل القبيلة السباعية:
تنحدر القبيلة السباعية من سلالة جدها الجامع عامر أبي السباع (عاش في نهاية القرن السابع وبداية القرن الثامن الهجري) الذي يتصل نسبه الشريف بالمولى إدريس الأكبر نجل عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن الإمام علي كرم الله وجهه وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ؛ فالقبيلة السباعية فرع من الشرفاء الأدارسة بالمغرب. وقد غادر جدها الجامع عامر الهامل أبي السباع مسقط رأسه فاس بعد ما تلقى تعليمه بها نحو المشرق رفقة أبيه محرز لأداء فريضة الحج1 وعند عودته إلى المغرب عبر تلمسان2 اتجه نحو الجنوب سائحا على عادة الأولياء والصالحين3، حيث تؤثر عنه عدة كرامات من بينها حكايته مع البرابيش4 التي كانت سبب كنيته بأبي السباع. وتوفي هناك بجبال أضاد مدن5 وانتشرت ذريته من هناك بين جنوب المغرب وشمال موريتانيا، وكانت تفرعاتها الرئيسية ثلاث: أولاد أعمر وأولاد عمران وأولاد محمد النومر. لكن مع الغزو الإبيري الذي تعرض له المغرب منذ احتلال سبتة سنة 818هـ/ 1415م. ستعرف القبيلة نزوح فروع منها نحو الشمال في إطار حركة الجهاد.

2 ـ الحركة الجهادية واستقرار القبيلة بالحوز:
لقد كانت الحركة الجهادية ضد الإبيريين الداعي الأساسي لنزوح فروع من القبيلة نحو الشمال تلبية لدعوة القبلئل وشيوخ الزوايا الذين تنادوا في هبة شعبية لمواجهة الغزاة البرتغاليين على الخصوص. وكان السباعيون في الخطوط الأولى نظرا لاعتناقهم وتأثرهم بالطريقة الجزولية التي كان الجهاد من بين أهم مبادئها. كما استقر السباعيون في مجموعات عشائرية بعدة مناطق من شمال الأطلس الكبير، فكانت منطقة لخنيك إحدى هذه الوجهات المختارة.. فإحدى الوثائق6 الموثوقة تفيد أن الولي الصالح سيدي امحمد بن ابراهيم الإدريسي السباعي أوصى عشيرته بوضعه بعد وفاته على ناقته وتركها تسير وهم جميعا خلفها إلى أن تتوقف حيث شاءت فيكون هذا المكان هو المجال الجديد للقبيلة بالحوز بعد أن سبق لها الاستقرار لفترة في تيغسريت أكنزة بامتوكة. وبذلك بدأت حياة القبيلة الجديدة ببلدة لخنيك.
وقد عمل الشيوخ الأوائل على توطيد هذا الاستقرار ببناء المرافق الضرورية وتنظيم حياة العشيرة فقام سيدي عبد الله الطيب ببناء المسجد والزاوية كمؤسسات لها دورها في الحياة الاجتماعيبة والاقتصادية خصوصا وأن نزعة القبيلة نحو التصوف والتدين كانت قوية جدا، وهذا ما يفسر نجاح زاوية لخنيك في تدعيم استقرار القبيلة في منطقة كهذه متسمة بالمناخ الجاف وقلة التساقطات والتضاريس الصعبة؛ بيد أن التنظيم المحكم لحياة القبيلة وتأطير شيوخ الزاوية لها كان سببا في تغيير نمط عيش المجوعة الذي كان يعتمد على الترحال فاستطاعت القبيلة العيش في مثل هذه المنطقة وفي ظل فترات عصيبة مر بها المغرب خصوصا بعد وفاة المنصور السعدي (1012هـ /1603م.)وبعد وفاة المولى إسماعيل ( 1139هـ/م1726) إلا أن مجريات الأحداث ستسير ضد استقرار القبيلة في هذه المنطقة في عهد سيدي محمد بن عبد الله (ت.1204هـ/ 1789م).

3 ـ نكبة السباعيين بالحوز (1197هـ/1782م.) في عهد سيدي محمد بن عبد الله7
كان للحروب التي عرفها المغرب بعد وفاة المولى إسماعيل وتوالي موجات الجفاف والمجاعة أثر كبير على استقرار الأوضاع بالمغرب فقد كثرت الثورات والفتن والنزاعات القبلية، فعمل سيدي محمد بن عبد الله على القضاء على هذه الفتن والنزاعات، فكانت نكبة السباعيين سنة 1197هـ/1782م إثر وشايات كيدية من بعض القبائل المجاورة لها، وبذلك تم تهجير أفراد القبيلة نحو سوس ثم الصحراء، وسجن العديد من أعيانها بسجن مكناسة إلى أن هلكوا به8 ما أفقدها موطنها من جهة والعديد من شيوخها وأعيانها الذين كانوا يتولون أمور الزاوية والقبيلة، وهذا ما سينعكس سلبا على تلاحم القبيلة حتى بعد عودتها إلى منطقة لخنيك.

4 ـ الهجرة الثانية نحو منطقة لخنيك:
بعد وفاة المولى يزيد9 وتولي المولى سليمان عاد أغلب أفراد القبيلة ضمن مجموعات متتالية إلى المنطقة لتعميرها من جديد إلا أن تشتت القبيلة وما تعرضت له سنة (1197هـ/1782م.) أفقدها تلاحمها وقوتها، فلم تعد الزاوية قادرة على القيام بوظائفها في غياب شيوخ مقتدرين مؤهلين لتأطير القبيلة وتنظيمها من جديد وتظافر ذلك مع الظروف المزرية على جميع الأصعدة التي عرفها المغرب برمته في هذه الفترة من تاريخه ليؤدي كل هذا إلى توالي هجرات أفراد وجماعات من المنطقة بعد استقرار لفترة قصيرة وذلك في اتجاه سهلي تيغسريت وبوجمادة فتشتت القبيلة وأصبحت عبارة عن دواوير صغيرة لا تربطهم علاقة بمنطقة لخنيك سوى أضرحة أجدادهم وأوليائهم وزاويتهم التي دأبوا على إقامة موسم سنوي فيها في سابع عيد المولد النبوي الشريف10 من كل سنة للحفاظ على روابطهم بها، وأصبحت منطقة لخنيك في الأخير شبه خالية من السباعيين إلا من بعض الأسر المحدودة وبالمقابل استوطنتها أسر من القبائل المجاورة..فهمشت آثار السباعيين بها وأهملت قباب أوليائهم التي يفوق عددها المائة إضافة إلى عدد غير محدود من الأحواش.

5 ـ زاوية لخنيك موروث حضاري مهمش:
والواقف اليوم على بلدة لخنيك يلمس ويحس مدى الدمار والخراب الذي تتعرض له هذه البلدة المباركة على مرأى ومسمع من أحفاد أولئك الصلحاء الذين استطاعوا رغم الشدائد التي واجهتهم تشييد تلك المآتر والقباب والأسوار المدهشة في ذلك المكان المنزوي بين الجبال؛ ولا غرابة في ذلك فهم أولياء ومجاهدون وعلماء عاملون لابد وأن تكون مآثرهم في مستواهم من الرقي، لكن هذه المآثر النفيسة التي لا تقدر بثمن تنهار وتتآكل دون أن تجد من ينقذها من الانقراض والاندثار. وهنا تنادى الأخيار من أبناء القبيلة فأعادوا لها بعض الاعتبار من خلال الموسم السنوي الذي يقام لمدة ثلاثة أيام ابتداء من أول جمعة من شهر أبريل الإداري يلتقي فيه السباعيون ومحبوهم لصلة الأرحام وإطعام الطعام وإقامة مهرجان للفروسية وتنظيم الندوات وحلقات الذكر وتلاوة القرآن الكريم والدعاء الصالح لجميع المسلمين .
لكن هذا العمل وإن كان يصب في المحافظة على مكانة لخنيك لا يعدو أن يكون وسيلة تحسيس للمهتمين بثراث هذه البلدة باعتباره إرثا حضاريا إسلاميا يتوجب المحافظة عليه وإشاعته وترسيخه، ومن هنا أقترح علينا السيد عامل صاحب الجلالة السابق الأستاذ عبد الفتاح البجيوي إثر زيارته للموسم السابق في أبريل 2012م أن تهيء جمعية لخنيك السباعية للتنمية والثقافة ورقة تاريخية عن الزاوية وأن تهيء جماعة السعيدات بطاقة تقنية لقبابها ومزاراتها ومآثرها لتكوين ملف تقني يوجه إلى بعض الجهات التي يمكن أن تبادر إلى ترميم وإصلاح ما تبقى من قباب ومزارات بمقبرة زاوية لخنيك. وفي هذا الاطار هيأنا هذه الورقة التاريخية..

6 ـ القباب والمزارات
القباب والمزارات القائمة حاليا عددها حوالي 20 مزارة من أصل 124 وهي في حاجة ماسة إلى الترميم والإصلاح الفوري ..

 

من إعداد: صالح بن بكار السباعي رئيس جمعية لخنيك السباعية للتنمية والثقافة

————

الهوامش:
1 ـ رجال لخنيك  ط2 ص. 35
2 نفسه
3 ـ الدفاع وقطع النزاع عن نسب الشرفاء أبناء أبي السباع ص.56
4 ـ نفسه ص.53
5 ـ جبل شاهق  به خلوة عامر أبي السباع وضريحه ويقع شرق تيزنيت
6 ـ أنظر نص الوثيقة بكتاب رجال لخنيك ط2 ص.40
7 ـ الجيش العرمرم لأكنسوس ص. 238 والاستقصاء ج8 ص. 50
8 ـ الاستقصاء ج8 ص.50
9 ـ الضعيف الرباطي ص237.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.