ارتأى موقع دين بريس أن ينشر هذا السجال الفكري الذي جرى على منصات التواصل الاجتماعي بين محمد الفزازي، داعية وخطيب جمعة، والدكتور عبد النور بزا، باحث أكاديمي في العلوم الشرعية ومتخصص في علم المقاصد، وكان منطلقه تدوينة كتبها الفزازي عن ظاهرة الاسترزاق بالدين والتظاهر بالتدين. في مثل هذه السجالات قد تظهر في ثنايا الكلام كثير من المعطيات:
الشيخ محمد الفزازي: ظاهرة الاسترزاق بالدين والتظاهر بالتدين
هو سلوك قديم، وظاهرة اجتماعية يطبعها السوء. كلنا رأينا أو حضرنا أو سمعنا عن تصرفات بعض حفظة القرآن الكريم (الطُّلبة) الذين ينتقلون من عرس إلى جنازة ومن جنازة إلى عرس إلى حفل تسمية (عقيقة) إلى ختان إلى أي حفلة… كيفما كان نوعها ومهما يكن أصحابها. الهدف واضح ومعروف. قراءة القرآن الكريم والأذكار والدعاء لصاحب الدار و (الزردة) ثم المغادرة بملغ من المال يُوزّع عليهم بالسوية.
متاجرة بكتاب الله لا ريب فيها. صحيح هناك من تدفعه الحاجة، لكن صحيح أيضاً أن منهم من ابتلي بهذه العادة السيئة موهما نفسه انه يقدم خدمة بمقابل. ونسي ما يتلوه من كتاب (ولا تشتروا بآيات الله ثمنا قليلاً )
في أوروبا وبلاد الغرب عموماً. الاسترزاق بالدين ، زيادة على ما ذكرت، يأخذ أبعاداً أخرى. يصل بعضها إلى النصب والاحتيال وأكل اموال الناس بالباطل.
التحايل على المسلمين بحجة جمع المال لصالح بناء مسجد أو شراء موقع لتحويله إلى مسجد، أو إصلاح، أو لصالح الطلبة والقيمين الدينيين وغير ذلك.
على أن الاسترزاق بالدين يمكن أن يأخذ أشكالاً أخرى. بعضهم يتظاهر بالصلاح والتقوى والورع ليكسب ثقة الناس لقضاء حاجة معينة، زواج قرْض، بيع وشراء الخ… وهذا أيضاً مظهر من مظاهر استغلال الدين من أجل الدنيا.
شيء آخر ربما أهم وأخطر. استغلال الدين والتظاهر بالتقوى لكسب ثقة المنتخبين والظفر بأصواتهم في أي انتخاب كان… برلمان، بلدية، أو غير ذلك…
وتجدر الإشارة إلى أن الأمر هو نفسه في ساحات العلمانية والحداثة والديموقراطية والسياسة وغير ذلك… غير قليل من هؤلاء أبضاً يظهر التفاني في النضال وخدمة الصالح العام والوفاء لحزبه ومبدئه… وفي الواقع ما هو سوى متاجر بتلك المبادئ ومتظاهر بالمواطنة الصادقة وما إلى ذلك ليكتشف الناس فيما بعد أن الخدعة كانت كبيرة، وأن الاستغناء على ظهر المواطنين كان هو الهدف.
وبناء عليه، فكما أن هناك مسترزقين بالدين هناك مسترزقون بالنضالات المتنوعة بما في ذلك الاسترزاق بالإلحاد.
هذا وإن عالم النساء أيضاً له نصيبه من هذه الآفة الخلقية كالتظاهر بالحجاب والنقاب والحياء… وهو غير صحيح. وطبيعي أن هناك مخلصات لله ولدينه… لا يمكن التعميم والتشكيك في كل متدين ومتدينة.
عافانا الله وإياكم من هؤلاء وهؤلاء.
رد الدكتور عبد النور بزا:
أما بعد فظاهرة التكسب أو الاسترزاق بالدين والجهاد او بالايديلوجليا والنضال مما عمت به البلوى صفوف هؤلاء وأولئك وهذا الاسترزاق أو الشراء بآيات الله ثمنا قليلا كثيرا ما يتم حصره في من يسمون بالطلبة بضم الطاء الذين يحضرون الولائم والمآثم ليقرأوا القرآن مقابل دراهم معدودات وهو عمل لا يليق بحملة كتاب الله وكان من واجب ( الدولة الإسلامية ) أن تخصص لفقرائهم مرتبا محترما من مال الأوقاف لكن للأسف فهناك مخطط قديم للتقليل من شأن القرآن وأهله حتى ينصرف عنه الناس والكلام في هذا يطول. ولكن والأدهى والأمر أن يكون البعض محسوبا من قيادة العمل الإسلامي والدعوة إلى الله ويكسب ثقة الجماهير ويصبح له من المكانة في قلوبهم ما الله به عليم وقد يبتلى لسبب من الأسباب ابتلاء تمحيص أو عقاب أخطاء بسجن أو تعذيب ….إلخ فإذا به ينقلب على عقبيه 180 درجة ويتنكر لما كان عليه من صدع بالحق وأمر بالمعروف ليصبح مسترزقا بامتياز يتقاضى الملايين ويعطى الهدايا ليصبح بوقا يدافع عن الظالم ويؤيد سياسته ويعطيه الشرعية باسم الدين ويقف في وجه المستضعفين الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة أو يعارضون السياسات المجحفة في حقهم …إلخ
فهذا النوع هو شر ما على الأرض من المتاجرين بالدين وهم العقبة الكؤود في طريق الدعوة والدعاة الصادقين وهم أخطر من الاستبداد الفعلي وواقع الحال خير شاهد على امتداد خريطة العالم العربي الإسلامي. وكل ما سوى هذا التوجه المقيت من باقي الظواهر أمرها أسهل ومفاسدها أقل من مفاسد الاحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويزكون أنظمة الفراعنة ويدافعون عنهم بغير حق. فهذا بيان للناس ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة .
رد الشيخ محمد الفزازي:
مداخلتك أيها الأستاذ العزيز ممتازة جداً ومفيدة لمن تأملها وتدبّر. غير أن ما يعيبها -في نظري- هو بعض الإطلاقات التي أراها تخرِم ما سميته في ختامها (بيان للناس…)
فطلبة القرآن، جلهم شبه أمي لا يحسن تحرير رسالة أو طلبٍ إداري وما شابه. هو حِفظ لكتاب الله منقوش في الذاكرة وانتهى. ليصبح الحافظ مجرد نسخة قرآنية بشرية زائدة ليس إلا. فلا تفسير ولا لغة ولا هم يحزنون. غاية طموحه أن يؤمّ الناس في الصلوات الخمس ويسترزق بالقرآن في أعراس الناس ومآتمهم.
الخرم الثاني يخص الداعاة المنقلبين 180 درجة بسبب أو بآخر. الدعاة الذين كانوا وكانوا… ثم صاروا في ركب السلطان… إلى آخر ما تفضلت به.
هذا الكلام سمعته في حقي شخصياً أكثر من مرة. وأحب أن أبين بعض النقط بهذا الخصوص حتى لا يلغ أحدٌ في ديني وعرضي سواء بغمزٍ أم بتصريح.
ابتليت بالسجن النافذ ثلاثين سنة. قضيت منها ثماني سنوات وراء القضبان دون جريرة ولا جريمة. والتهمة كانت أحداث 16 ماي الإرهابية 2003.
استيقن ملك البلاد ببراءتي التامة من المنسوب إلي فأمر بالإفراج عني دون أي مناسبة دينية ولا وطنية. كان إطلاقَ سراح استثنائيا.
هذه واحدة. الثانية أنني لست راضيا عن مسيرتي الدعوية قبل السجن بسبب ما وقعنا فيه من تكفير وتشهير بالحكام جملة وبعلمائهم جملة وبأحزابهم جملة وبديموقراطيتهم جملة وبمن يصوتون جملة إلى آخره… وهذا ما أتوب إلى الله منه حتى وإن رآه البعض صدعاً بالحق وجهاداً بالكلمة عند سلطان جائر… وإن كانت لي من حسنة في هذه الدنيا أتقرب بها إلى الله فهي تراجعي عن تكفير المسلمين بغير ضوابط شرعية. بعد إيماني بالله طبعا وبما أنزل.
الثالثة أن جبر الضرر المالي وإعادة الاعتبار النسبي ما هو سوى تخفيف للآثار السلبية التي قصمت ظهري وسوّدت حياة أهلي ووالديّ وعيالي… وهذا لا يدركه إلا من ابتلي به خاصة وهو مظلوم.
أقول إن خزائن الدولة كلها لا تعدل دمعة طفلتي البريئة وهي واقفة في زيارتي وراء شباك حديدي لا تفهم شيئاً عن وضعية أبيها الذي لا تستطيع معانقته ولا تقبيله. أقول طفلتي بالمفرد وهن 11 بنتاً، سيدي عبد النور.
الرابعة بخصوص علماء السلطان الخ…
السلاطين ليسوا سواءً. فالملك محمد السادس ليس هو السيسي مثلا أو ابن زيد أو ابن سلمان القتلة المجرمين.
وأنا أصلا لست من علماء الدولة الرسميين، أي لست عضوا في المجلس العلمي الأعلى ولا في أي مجلس علمي محلي. وإن كنت خطيب جمعة رسميا لدى وزارة الأوقاف. وبعبارة اخرى لست عالم سلطان ولا فقيه البلاط ولا أي شيء من هذا القبيل.
وللأمانة أقول: إن ملك المغرب لا يحتاج مني إلى تلميع صورته أو سياسته أو مواقفه. فالرجل يملك من القنوات الإعلامية ومن أصحاب الأقلام المهرة ومن المفكرين ومن المنابر الإلكترونية والورقية ومن الأموال وغير ذلك ما يجعله في غنى تامّ عن تلميع صورته أو الإشادة به من شخص مثلي.
نعم، الدولة في حاجة إلى رجل مثلي لمخاطبة الغلاة والإرهابيين باسم الدين لما احمله من تجربة بهذا الخصوص ليست عند غيري. وهذا واجب عليّ قبل أن يكون حقا للدولة وللمجتمع. ما يلمع صورة ملك المغرب هي إنجازاته الباهرة على مستوى البنية التحتية والمشاريع الاستراتيجية الجبارة (الطرق السيارة، البراق، الموانئ المطارات الإصلاح الزراعي والسدود حقول الطاقة المتجددة المصانع الإصلاح السياسي والحقوقي تطوير مجالات الاستثمار ولا سيما في إفريقيا جلب الاستثمارات الخارجية السياحة تحديث الآلة العسكرية والأمنية والإدارية المدارس والمستشفيات…
هذا هو ما يطبل للملك ويرفع قدره عند شعبه، وإن كان هناك من النقائص والفساد والاختلالات ما هناك. لكن الملك حتما ليس في حاجة إلى تغريدة من الفزازي أو من غيره لتلميع صورته أو تثبيت حكمه.
رد الدكتور عبد النور بزا :
من القواعد المقررة أن الاختلاف لا يفقد للود قضية ومن الود أن يستمر حوارنا بكل أدب وعلم وعدل وعليه أقول لك أخي سي محمد ما يلي:
1- إن كلامك عن حفظة القرآن وما عليه حالهم في فهمه ومدارسته فذلك أمر له أسبابه ومنها إهمال الدولة وعدم اهتمامها بأهل القرآن كما يجب تعليما وتربية وتاطيرا وعناية مادية لائقة كما هو واجب دولة إمارة المؤمنين في الأصل. ولست بحاجة لأذكرك بمخطط إهمال القرآن وأهل القرأن ولغة القرآن منذ عقود حتى آلت وضعيتهم إلى ما هي عليه اليوم ولذلك فهم ضحايا سياسة ممنهجة من زمان أكثر منهم شيئا آخر حتى وجدوا أنفسهم في وضعية لا يحسدون عليها بحيث لم يعد بإمكان اغلبهم العيش إلا بما تنتقده عليهم من تكسب بقراءة القرآن في المناسبات. ومن باب الأمر بالمعروف بالمعروف الذي هو أحد مبادئ وأهداف جمعيتكم الدعوية أن تدافعوا عن حقوق هذه الفئة المستضعفة لتحسين وضعيتها بما يليق بكتاب الله.
2- ما ذكرته عن الابتلاء بالسجن ومعاناة الأسرة الكريمة كبارا وصغارا فذلك نتيجة أخطائك التي طالما روجت لها في كتبك وتسجيلاتك وتصريحاتك على الملإ عبر قناة الجزيرة مثلا. وقد تمت نصيحتك في أكثر من لقاء بأن الخط الذي إنت عليه ليس خطأ صحيحا في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكنك كنت مصرا على مواقفك المتطرفة كما كنت تتهم من يعمل في إطار المؤسسات القانونية ببيع الدعوة والولاء للطاغوت حتى وجدت نفسك وراء القضبان فقمت بما قمت به من مراجعات وتراجعات لفائدة الخط الدعوي الذي انت عليه الآن. بعد خروجك من السجن.
3- إن ما تقاضيته من تعويضات على إثر سنوات الاعتقال الذي كنت أنت سببه بما سلف ذكره؛ فيه ما فيه من الناحية الشرعية فكم من عالم تعرض للابتلاء في تاريخ أمتنا إلى حد الشهادة ظلما وعدوانا وأبوا أن يأخذوا عطايا السلاطين لعلمهم بأن عطاياهم غلول. أي أخذ مال عام بغير حق. ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة. ولست بحاجة إلى التذكير بما لا حصر له من أسماء أهل العلم في هذا الشأن وقد كانوا مظلومين حقيقة.
4- ليست المرة الأولى التي تحدثت معك فيها وذكرت الظالمين دون أن ذكر اسم أحد منهم لكونهم أشهر من نار على علم فإذا بك تقحم في تعقيباتك علي اسم الملك محمد السادس وتذكر من مناقبه ما تذكر وتنفي عنه ما تنفيه من مظالم وتذكر بأنه ليس في حاجة إلى دفاعك عنه …إلخ
ولست أدري ما قصدك من ذلك ؟ وانت تعلم أنه إذا فعل خيرا وانجز من المشاريع الإصلاحية لفائدة الشعب فذلك واجبه الشرعي بمقتضى المبايعة وواجبه القانوني بمقتضى مهمته الدستورية وليس شيئا آخر. ولذلك لا معنى لترديده ولا لذكره اللهم إلا إذا كنت تذكره لغرض آخر الله أعلم به.
5- وأما كلامك عن شرعية الملك واختلاف نظامه عن غيره من أنظمة الفساد والاستبداد واحقية العلماء والفقهاء في بطانته فكله كلام خارج موضوع الاسترزاق بكتاب الله ولست أدري لماذا تكرره ؟ ورجائي أن لا تكون ملكيا أكثر من الملك.
6- وأما المستضعفون الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة فهم المغاربة الذين ما فتؤوا يخرجون محتجين في مدن متعددة وهم يطالبون بحقهم في الشغل والتطبيب والتعليم والسكن والحياة الكريمة سلميا وقل مثل ذلك عن الصحفيين المستقلين الذين قاموا بنقل همومهم ومطالبهم ومعاناتهم. فبدلا من الاستجابة للحد الأدنى من مطالبهم بكل عفوية واريحية ودونما خسائر بحكم ما هو منصوص عليه في الدستور من حقوق المواطنين يتم حصارهم ومطاردتهم بالعنف والاعتقالات والمحاكمات الخيالية في دولة الحق والقانون. وبعد ذلك يقوم الشيخ الذي كانت تنتظر مؤازرته بإدانة الضحايا وتبرئة الجلاد. والأدهى والامر أن يعتبر المطالبة المشروعة بحق؛ فتنة !! يستحقون عقوبة الإعدام عليها !! وهو ما أربأ بشخصكم الكريم عنه. ولا يليق بكم أن تنحازوا لجهة الاستقواء بمؤسسات الدولة ضد أبناء الشعب والوطن الذين لا حول لهم ولا قوة إلا بالله. فهذا بيان ثان للناس وليذكر أولوا الألباب.
رد الشيخ محمد الفزازي:
شكرا أولا على الالتزام بالأدب والعلم حرصاً على الود الذي هو مناط وحدة المسلمين.
تحميل الدولة مسؤولية تهميش الطُّلبة تحميل في غير محله لأن المهمشين كُثُر ومن كل الشرائح الاجتماعية. لا سيما في البوادي والمناطق المعزولة. إذن بهذا الاعتبار ليس القرآن هو المستهدف. ولو كان هو المستهدف لما أسست الدولة العشرات من المدارس للتعليم الأصلي والعتيق، وتخريج آلاف الطلبة الحفظة المتقنين حفظاً وتجويدا حتى بات طلبتنا يحصدون الجوائز الأولى على مستوى العالم كله. وكيف يكون القرآن مستهدفاً والدولة تصدر عشرات الآلاف من المصاحف إلى مختلف بقاع الأرض لا سيما في إفريقيا وأوروبا؟ وترسل مئات الأئمة والوعاظ والخطباء خاصة في رمضان إلى مختلف دول العالم. بل إن الدولة فتحت إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم وهي الإذاعة الأولى من حيث عدد المستمعين.
وفي ليالي رمضان مساجد المغرب كلها تصدع بتراتيل الكتاب في مشهد مهيب وبهيج. هل يعقل ان يكون هذا كله داخلاً في الحرب على القرآن.
السجن نتيجة أخطائي غير صحيح. السجن كان بتهمة تفجيرات الدار البيضاء الإرهابية وليس بسبب أخطائي. الشيء الذي بُرئت منه على يد أعلى سلطة في البلاد، ومن ثمة لم يبق لأي مخلوق أن يحيل سجني على أخطائي.
ثم ما هي هذه الأخطاء إبتداءً؟ أرجو تحديدها ببينة وبمسؤولية حتى نعرف عن أي شيء نتحدث. فقرة كذا في كتاب كذا مثلا… أما إرسال الكلام على عواهنه فليس من منهج المحققين في شيء.
سنوات الاعتقال أنا من كان سببا فيها تقول. وهذا يُلزمك البرهان (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)
وتقول جبر الضرر من الناحية الشرعية فيه ما فيه بل هو غلول.
ولا يخفى على طالب العلم فضلا عن أمثالك أن الغلول هو الأخذ من مال الغنيمة سراً، قبل قسمتها. وليت شعري ما دخل اختلاس شيء من الغنائم في جبر الضرر الذي هو ناتج عن خطأِ قضائي. وما دخل الغنائم أصلا والتي هي ما يغنمه المجاهدون في ساحات القتال بموضوعنا الذي نحن فيه. فالغلول ليس هو أخذ المال العام بدون حق. وإنما هو ما ذكرتُ.
أما بخصوص إقحام الملك وتعيينه في النقاش، فهو بمقتضى وضع النقط على الحروف وتحتها. أنت تذكر السلاطين وتعمم ولا تستثني أحداً. وهذا يجعل ملك المغرب معنيا بالظلم والفساد والطغيان باعتبارك تتهم الجميع بهذا دون تحفظ ودون استثناء. وبما أننا مغاربة فسلطان المغرب مستهدف بكلامك. تماماً كما أنا مستهدف بكلامك الأول حيث جعلتنا -نحن فقهاء السلطان- شر البريئة.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد فررت فرار الحمر المستنفرة من قسورة ممن سميتهم بالمستضعفين (حراك الريف) ولم تشر إليهم ولا نبست ببنت شفة، على الرغم من إطالة الكلام في ذلك من قِبلي.
أما سائر المظاهرات هنا وهناك فهذا مألوف ومعروف في شتى بقاع العالم بما فيها الدول الصناعية المتقدمة.
فلا تعليق.
وأما تبرئة الجلاد وإدانة الضحايا. فهذا افتراء وبهتان منك للأسف. فهل لا زلت تعتقد أن الزفزافي ومن معه أبرياء؟ فمن ارتكب ما أشرت إليه من جرائم والحال كما تدعي؟ وهل لا زلت ترى أن الحرق والرشق والدعوة إلى الانشقاق والخروج على الحاكم شيئا آخر غير الفتنة؟
(نبئوني بعلم إن كنتم صادقين) مرة أخرى مودتي
رد الدكتور عبد النور بزا:
وسيرا على ذات المنهج في التحاور وبيان المغالطات التي لا تخفى على المبتدئين في الفهم أقول:
1- الكلام في موضوع محدد يقتضي الالتزام بمنهج النظر فيه تحديدا وحديثنا ابنتدا عن الطلبة بضم الطاء ووضعيتهم المادية فبالله عليك أين هو الاهتمام بهم وهل لهم مرتبات شهرية يتقاضونها من وزارة المالية كباقي الموظفين ؟ وحتى الذين يسمون بالقيمين الدينيين كيف هي وضعيتهم المادية ؟ فلا يتقاضون حتى الحد الادنى للأجور ! وأعرف منهم من يتقاضى 700 درهم ولا حق لهم في التقاعد ولو قضوا أعمارهم كلها في خدمة بيوت الله ! ولا حق لهم في المطالبة بحقوقهم ومن فعل ذلك مآله التوقيف الفوري ! وكأنهم عبيد أو اقنان في ضعية وزير إلأوقاف وليسوا مواطنين لهم حقوق المواطنة ! وما ذكرته عن باقي المهمشين والمنسيين في البوادي والصحاري ورؤوس الجبال فهذه حجة على من تدافع عنهم بغير حق وعليك لعلمك بواقع هؤلاء المستضعفين وتعتيميك عليه وتصويرك لأحوال أهل القرآن وكأنهم من المنعمين ولولا ما تجود به أيدي المحسنين وعامة المسلمين عليهم لكانوا في أسوء حال. ولذلك من العيب عليك أن تطمس الحقيقة وتزورها عاين باين.
وأما تحفيظ القرآن فأغلبه يتم في جمعيات دور القرآن وهي من أعمال الخير التي قام بها المحسنون ويشرف عليها أساتذة متطوعون من المجتمع المدني ومنها تخرج الطلبة المتقنون لقراءة القرآن في الغالب الأعم. وانت تعلم كيف تم تقنين جميع دور القرآن وإلحاقها بالتعليم العتيق تحت إشراف الأوقاف. ولماذا ؟ ومع ذلك تتعمد أسلوب التعتيم والتركيز على بعض مظاهر الاهتمام المحدود والشكلي بالقرآن مثل تنظيم مباراة التجويد وطبع المصاحف وتصديرها إلى هنا وهناك ولست أدري لماذا سكت عن توقيف المآت من الخطباء والأئمة المميزين وفيهم علماء ودكاترة وأساتذة مبرزون لا لشيء إلا لأنهم يقولون بعض الحق ولا يقبلون بقول الباطل. وعبد ربه واحد منهم وقد تم توقيفي بسبب دعاء مع أهل غزة في وقفة احتجاجية ضد الحصار الصهيوني لغزة سنة 2015. وعلى كل حال إذا لم تعد مقتنعا بقول كلمة الحق فلا تقل باطلا بقلبك للحقائق التي ذكرت لك.
2 – أما عن أخطائك فقد اعترفت بها بعظمة لسانك فيما قلته سابقا عن كونك لست راضيا عن مسيرتك الدعوية قبل السجن بسبب ما وقعت فيه من تكفير وتشهير بالحكام جملة وبعلمائهم جملة وبأحزابهم جملة وبديموقراطيتهم جملة وبمن يصوتون جملة إلى آخره… فهذا اعترافك وهو الذي قصدته بأخطائك التي طالما اختلفت معك فيها وانتقدتها عليك أمام جموع من الإخوة في بيت سي عمر بوادي أمليل إذا كنت تذكر ولكنك كنت يومها تعتقدها يقينا. والحمد لله الذي وفقك لما قمت به من مراجعة على ما فيها من إفراط في الدفاع عن جهات رسمية بغير حق في كثير من الأحيان.
3 – وأما ما تقاضيته من تعويض مالي بدعوى جبر الضرر فهو من الغلول. ولعلمك فما ذكرته عن كونه أنه الأخذ من مال الغنيمة سرا قبل قسمتها. فلم أعني ذلك بل عنيت به ما جاء في الحديث : هدايا الأمراء غلول والحديث رواه أحمد والطبراني والغريب كيف أنك تحور كلامي إلى شيء لم أتحدث عنه وهو الغنائم لتغليط القارئ الذي لا يعلم أن الأخذ من المال العام بغير حق فهو غلووول ومنه ما يقدمه الحكام لخدامهم وليس من حقهم أن يفعلوا لأن المال العام ليس مالهم وما عليهم إلا أن ينفقوه في خدمة الصالح العام لا غير.
4 – وأما كلامك المتكرر عن الملك بما يفيد التشكيك والاتهام المبطن ومحاولة التوريط فيما تريده فلا تحاول عبثا أن تكون ملكيا أكثر من الملك كما قلت لك قبل وموقفي من الملك لا اخفيه فله منى ما ينبغي له من الاحترام والدعاء بالصلاح والتوفيق لما يحبه الله ويرضاه وهو كما قال: التنزيه لله والعصمة لرسول الله عليه الصلاة والسلام وانما انا إنسان مواطن لست معصوما ولا منزها عن الخطأ. وهو أدرى بمن ينافقه وبمن ينصحه بصدق.
5 – وأما قولك عني :” ومن ناحية أخرى فقد فررت فرار الحمر المستنفرة من قسورة ممن سميتهم بالمستضعفين ( حراك الريف ) ولم تشر إليهم ولا نبست ببنت شفة على الرغم من إطالة الكلام في ذلك من قبلي ” فأستغرب أولا من سوء أدبك في التعبير مع اعترافك قبل لي بالتزامي الأدب والعلم في محاورتك. فمن أين لك بهذه الوقاحة التي تشبه فيها أخاك الكريم بالحمر ( جمع حمار ) الهاربة من الأسود! وكأنك أشبه بأحدها في زعمك. بدعوى أنني تعمدت عدم ذكر ( حراك الريف ) وزعيمه الصنديد ناصر الزفزافي. في حين أنني ذكرت مجموع الحركات الاحتجاجية في مجموع المدن ولم أخصص واحدة منها بالاسم. ولست أدري لماذا تصر على معرفة موقفي من حراك الريف ؟ فإذا كان ولا بد أن تعرف فموقفي المبدئي مع كل المطالب المشروعة التي طالب بها إخواننا أبناء الوطن في حراكهم الشعبي السلمي ابتداء. وبما أنه ليس لدي إلا ما تحكيه عن الرواية الرسمية ولم نسمع رواية المحتجين لمنعهم من التعبير. فلا يوثق بمضومنها حتى نستيقن منها. عملا بقوله تعالى: ” ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ”
وأما أدعاؤك أن الزفزافي دعا إلى الانشقاق والخروج على الحاكم؛ فهذا ما لا أعلمه ولم يقل به أحد ولم يتهم بذلك قضائيا. وذلك لسبب بسيط وهو أن حراك الريف لم يكن حراكا مسلحا حتى يسمى خروجا. فلا يسمى الخروج عن الحاكم خروجا إلا إذا كان مسلحا. وأما ما سواه من المعارضة السلمية دون استعمال السلاح فهي من الأمر بالمعروف النهي عن المنكر او قل هي من العمل الإصلاحي العام. والغريب كيف أنك لا تعرف معنى الخروج الذي اختلف فيه العلماء. وهو بخلاف النصح او المطالبة بالإصلاح العام او الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكلمة الحق عند سلطان جائر الذي لا خلاف فيه بين أئمتنا وفي مقدمتهم الإمام مالك رائد الإصلاح السلمي وقدوة المناضلين في تحمل التعذيب من أجل الإصرار على المبايعة الرضائية ورفض بيعة الإكراه كما ذكر الإمام القاضي عياض في كتابه ترتيب المدارك واقوم المسالك إلى معرفة أعلام مذهب مالك رحمهم الله جميعا ووفقنا للسير على نهجهم غير مبدلين ولا مغيرين حتى نلقاه وهو راض عنا وبه تم الإعلام والسلام.
الشيخ محمد الفزازي: لم يعقب…
المصدر : https://dinpresse.net/?p=9502