خديجة منصور
قد تتأسف على حضارات أصابها النسيان وأصابتها لعنة الحروب والدمار، وتحاول اكتشاف جزء من تاريخها الذي صنعه رجالها على مر العصور، تاركين انجازاتهم الشامخة وأثارهم الصامدة شاهدة على كل حدث كان في الماضي وصلنا في صفحات من الكتب في الحاضر، لنستلهم منهم العبرة والموعظة.
فالحضارة هي عمل تراكمي لأجيال سبقتنا الآلف السنين، ولعل مدينة دمشق من المدن التي توالت عليها حضارات عديدة فهي عاصمة الجمهورية العربية السورية، أقدم مدن العالم في التاريخ، يعود نشوؤها إلى تسعة آلاف سنة قبل الميلاد. تقع في الجهة الجنوبية الغربية من سوريا وبالضبط بين جبل “قاسيون”و نهر بردى، يبلغ عدد سكانها بحوالي 6.2 مليون نسمة، ومساحتها حوالي 105كيلو متر مربع.
بعد الفتح الإسلامي، أطلق عليها عدد كبير من الألقاب منها “الأرض المسقية” نظرا لموقعها الجغرافي، وذات الأعماد لكثرة الأعماد في بنيانها، وباب الكعبة لوجدوها على طريق الكعبة، والفيحاء لرائحتها الطيبة، ويشتق اسم دمشق من كلمة ديماشكا ويرجح البعض أنها كلمة ذات أصول أشورية أي الأرض الزاهرة.
إنها معقل بعض الصحابة و الأنبياء، والعلماء، جعلوا لهم موطنا فيها “كخالد بن الوليد، وعمر بن عبد العزيز وهو خامس الخلفاء الراشدين، دفن بمقبرة النعمان، وعبد الله بن عامر الدمشقي وهو من القراء السبع وأقواهم سندا، وسيدنا بلال الحبشي…وغيرهم من العلماء الذين ينتظرون من ينفض عليهم تراب النسيان.
اشتهرت دمشق بمجالات عديدة آنذاك، سياسيا اتخذتها الدولة الأموية مركزا وعاصمة لهم، واقتصاديا وصفت بالمدينة التجارية، حيث كان تقصدها بعض القوافل المتجهة بين أسيا الصغرى و الجزيرة العربية للتبضع، باعتبارها أهم المحطات كموكب الحج، طريق البحر، اهتم سكانها بعدد من الصناعات التراثية، كصناعة الأقمشة، الجلود،الحلي وصناعة الحلويات الدمشقية، وتميزت بزراعة الياسمين الدمشقي.
حظيت دمشق باهتمام كبير للأدباء والشعراء على مر العصور كونها مركزا ثقافيا وهذا ما جعلها تتبوأ مكانا مرموقا في العالم العربي والغربي، فهي عاصمة الثقافة والعلم، اختارتها اليونسكو عاصمة للثقافة العربية في عام 2008، ومدحها عدد كبير من الشعراء كأحمد شوقي، نزار القباني وحسان بن ثابت.. وفي مدحها كتب البحتري: أما دمشق فقد أبدت محاسنها…وقد وفى لك مطريها بما وعدا.
وقال ابن الجوزي: “قاسيون جبل شمالي دمشق ترتاح النفس إلى المقام به، ومن سكنه لا يطيب له سكنى غيره غالبا.
اختيرت دمشق سنة 2010 كأفضل وجهة سياحية في العالم، لما تتميز به من مآثر عمرانية قديمة فهي محاطة بسور حجري يضم سبع أبواب، وعدة مغارات موجودة قرب جبل قاسيون، “مغارة الدم”، و”كهف جبريل”، وعدد من الأسواق الشعبية كسوق الحميدية، سوق مدحت باشا….
فرغم المخاض العسير الذي تعيشه دمشق ستظل صامدة أبية لن يطالها النسيان.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=9260