الثقافة القانونية ودورها في تعزيز جودة الحياة

ذ محمد جناي
آراء ومواقف
ذ محمد جناي14 أغسطس 2020آخر تحديث : الجمعة 14 أغسطس 2020 - 9:02 صباحًا
الثقافة القانونية ودورها في تعزيز جودة الحياة

ذ. محمد جناي
إنّ الثقافة ليست امتيازاً، إنها حق للجميع. وحيث تكون الثقافة يكون الفكر، وحيث توجد الثقافة رفيعة شاملة، يوجد الفكر رفيعاً شاملاً. والفكر الإنساني لا ينسى أبداً وظيفته الرئيسية وهي: تحويل الجهالة إلى معرفة، والمخاوف إلى جرأة، والعشوائية إلى منطق، والسذاجة إلى وعي مكتمل، وبعبارة واحدة: تحويل الدهماء إلى صفوة ؛أجل، هذا هو الدور الحق للفكر وللثقافة، تحويل جميع غرائزنا ومشاعرنا وطبيعتنا إلى طاقة مفكرة، ورفع الأعداد الهائلة من البشر إلى مستوى الصفوة[1].

الثقافة هي غذاء العقل والروح وهي ضرورة ملحة لكل إنسان حتى يستطيع أن يعيش في خضم المجتمع الذي ينتمي إليه والمنفتح على العالم بسبب التقدم العلمي والتقني وفرض الفضائيات نفسها عليه بما تقدمه من نافع ورخيص ومفيد وضار ؛ لذا كان على الإنسان أن ينتقي مايفيده وينبذ مايضره؛ والثقافة القانونية من أهم ما يجب أن يتزود به الإنسان ؛ حتى يستطيع أن يعرف كل مايدور حوله ومايجب أن ينهجه في عمله وسلوكه ومجريات حياته ,؛ولما كانت مجالات الثقافة كثيرة ومتنوعة ؛ كما أنها ليست كلها اختيارية فإن الثقافة القانونية ملزمة لكل فرد يطبق عليه القانون؛ وبالتالي يتعين على كل فرد أن يعرف على الأقل الأحكام العامة للقانون [2].

القانون هو الحصن وصمام الأمان الأساسي عند ظهور المشاكل التي تتعلق بمختلف نواحي الحياة سواء الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والإدارية، حيث أصبحت كافة المجالات الآن ينظمها ويحكمها القانون، لذلك فإن الثقافة القانونية هي أشمل أنواع الثقافات لأنها متدخلة في كل شيء من حولنا، فهي تتسم بالشمولية لمخاطبة كافة أطياف المجتمع في كافة نواحي الحياة.
وقد يتم عذر الشخص على عدم إلمامه ببعض أنواع الثقافات لأنه ليس هناك مسئولية عليه من عدم معرفته بتلك الثقافات، على عكس الثقافة القانونية التي أوجب القانون على الشخص الإلمام بها، وبذلك لا يوجد لديه عذر بعدم المعرفة بالقانون عندما يُسأل قانونياً[3].

ومن هذا المنطلق يتطلب من المختصين القانونيين المغاربة المساهمة في توعية المجتمع بالثقافة القانونية، ويعد ذلك واجباً وطنياً على كل مختص في هذا المجال، بأن يقدم ما يعزز هذا الجانب التوعوي، خصوصاً وأنّ القانون والحياة وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن القول بأن وطننا معدوم التجارب التطوعية قانونياً، فهناك مبادرات عدة في هذا الصدد ، التي تعمل على توعية المجتمع بالثقافة القانونية، عبر نشر المنشورات واللقاءات القانونية والدورات، لتمكين العامة من معرفة ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، وتفادي الأخطاء الفادحة، كمن يوقّع سنداً لا يعلم محتواه ثم يفاجأ بالتبعات القانونية.

ولا شك أن نشر الثقافة القانونية يؤدي للحد من اللجوء للمحاكم، مما يوفر الجهد والمال والوقت، ويعزز السلام الاجتماعي، ويحد من التباغض والنزاعات والمشكلات، مما يصب في محصلة سعادة الإنسان، وازدهار المجتمع، حيث إنّ الوعي هو الغاية الكبرى والهدف الأسمى للقانون، والوعي لا يتمثل في معرفة النصوص القانونية فحسب، بل هو صورة متمازجة ووسيلة شاملة لكل أنواع الوعي الاجتماعي ورفع المستوى الثقافي والمعرفي للمجتمع؛ ليكون قادراً على استيعاب هذه النصوص، وتقبّل أوامره ونواهيه بالشكل الصحيح[4].

(القانون لا يحمي المغفلين) عبارة تتكرر كثيراً للتعقيب على قصص وضحايا وقعوا في عمليات نصب أو استغلال.

هل كل ضحية كان مغفلاً؟؟ وما أصل هذه العبارة؟ الحقيقة التي لا جدال فيها أن الجهل هو السبب في الكثير من القضايا وذلك لتدني الثقافة القانونية ولو عدنا لمصدر العبارة نجد أنها وردت للمرة الأولى في القانون الروماني باللغة اللاتينية وكانت بالنص (الجهل بالقانون ليس عذراً) ولكنها نقلت بعد ترجمتها بهذه الطريقة المغلوطة المشوهة.

نحتاج للتربية والثقافة القانونية، ويجب أن نعتني بها أشد العناية لأنها تعد الفرد إعدادا سليماً ليكون مدركاً واعياً بحقوقه والواجبات عليه، ويستطيع بذلك حماية ممتلكاته المادية، ومعرفة المبادىء التي تحكم صيانة حقوقه، ومعرفته وثقافته تجعله واثقاً بنفسه عند التعامل مع الآخرين.

عمدت كثير من الدول لنشر الثقافة القانونية لغير القانونيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، كما أجرت الأبحاث والدراسات لإيجاد الطرق المبتكرة لنشرها بين فئات المجتمع، وأنا مع الأصوات المنادية بجعل الثقافية القانونية مادة تعليمية في المدارس من مراحل مبكرة ونشرها على أوسع نطاق ولهذا دائما ماأطرح على نفسي ‏لماذا لا تستحدث مادة في “الثقافة القانونية” لمختلف مراحل التعليم المدرسي. يدرس فيها المتعلم تدرجاً بعض المواد من القانون المغربي والحالات المرتبطة بها. وتركز على القوانين ذات الصلة بالحياة العامة مثل قانون مدونة الأسرة وسواها.، [5].
ــــــــــــــــ
الهوامش:
[1]: د. موسى الخطيب “الثقافةغذاء ضروري للعقل” من كتاب وصايا الدهر إلى شباب وشابات العصر من منظور إسلامي
[2]: محمد علي سكيكر (قراءة في الثقافة القانونية ) كتاب الجمهورية .
[3]: موقع المكتب القانوني الإلكتروني e-legal office -مقال قانوني -بتصرف يسير.
[4] أحمد محمد الأنصاري التطوع ونشر الثقافة القانونية
بتاريخ 23 يوليوز2020 جريدة الرياض.
[5]:وتر الحرف (فوزية الشهري) إحسان .. مشكاة الثقافة القانونية -صحيفة الجزيرة- بتصرف يسير.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.