د. حمزة النهيري
سألني بعض الأصدقاء عن صحة كتاب الإبانة عن أصول الديانة للإمام الأشعري وذكر لي أن هناك من ينكر ذلك فما رأيك أستاذنا الجليل..
فقلت:
إن هذه المسألة من الأمور التي دافع عنها متعصبة الأشاعرة المتأخرين وتكلفوا لذلك أجوبة لدفعها، شككوا فيها بنسبة هذا الكتاب وباقي كتبه الأخرى كمقالات الإسلاميين ورسالة إلى أهل الثغر، وهي دعوى استشراقية قالها المستشرق ماكارتي وأثبتها دانيال جماري و جولد زهير في كتابه العقيدة والشريعة رغم التحيزات الأيديولوجية الضيقة التي يسلكها هذا الأخير في التعامل مع التراث العقدي عند المسلمين.
ومن الباحثين المعاصرين الذين تكلفوا في نفي نسبة الكتاب إلى أبي الحسن الأشعري الشيخ محمد زاهد الكوثري – طيب الله ثراه- و الأستاذ خالد زهري في مقال له نشر في مجلة الإبانة الصادرة عن مركز أبي الحسن الأشعري (العدد الأول رجب 1434/يونيو2013)، وقد ناقض الأستاذ نفسه مرات عديدة في مقاله هذا جعلته يدعي أنه من تأليف بعض حشوية الحنابلة!!
ورغم أن الكتاب أثبته له الحافظ ابن عساكر الدمشقي والقاضي عياض والحافظان ابن تيمية و ابن كثير.. فهو عند الأستاذ محل تشكيك..
فقد استشكل خالد زهري أن يدعي الامام أبو الحسن الأشعري حنبليته، وهو نفس الأمر الذي استشكله بعض المترجمين للباقلاني المالكي الذي كان يكتب في بعض كتبه الباقلاني الحنبلي.. والجواب هو أن الامام أحمد بن حنبل عرف بالمذهب الاعتقادي أكثر من المذهب الفقهي و خبر محنته العقائدية مع المعتزلة وصلت إلى حد التواتر.. ، ولأن الأشعري تقلب في أطوار ثلاث(كما نص على ذلك ابن كثير في طبقات الشافعية) فإن الانتساب إلى أحمد هو من جهة نصرته لعقيدة أهل الحديث في مقابل عقيدة أهل الكلام بمختلف تلويناتهم العقائدية.
وقد نشرت مكتبة حيدر اباد، رسالة ابن درباس المسماة بالذب عن أبي الحسن الأشعري التي يشير فيها إلى اشتهار هذه الرسالة عند العلماء حين نقل منها نقولا كثيرة منبها غيره بأن مذهب التأويل الذي نصره متأخرة الأشعرية ليس هو ما كان عليه الأشعري في ءاخر كتبه.
وقد وجدت في كتاب الوصول إلى معرفة الأصول تصريحا من ابن العربي إلى أنه يميل إلى طريقة الجويني والغزالي في مسائل الصفات ولايميل إلى طريقة أبي الحسن الاشعري والباقلاني، و قد تنبه الاستاذ زهري إلى أن التكلف في نفي الابانة عن الأشعري يلزمه الجواب عن سؤال المؤلف الحقيقي للكتاب.. وهو مالم يستطع الجواب عنه إلا بسلوك مسلك التخرص و الظن الذي لا يغني من الحقيقة العلمية في شيء، و أنا أدعو الأستاذ خالد زهري إلى أن يراجع نظره في هذه المسألة و ينظر في كتاب الابانة بتحقيق العالمة الجليلة المرحومة الدكتورة فوقية حسن وما كتبه الدكتور الجليند في تحقيقه لرسالة أهل الثغر و كتاب الدكتور صالح المحمود في كتابه موقف ابن تيمية من الأشاعرة، فإن ابن تيمية كان معظما للإمام الأشعري وناصرا لطريقته التي استقر عليها في الطور الأخير وإنما مدارس الأشعرية تخالف ماكان عليه مذهب أبي الحسن الأشعري، وهو ما نصره أيضا الشيخ عبد القادر الجيلاني في رسائله و ابن رشد في الكشف عن مناهج الأدلة.
وأنا أكرر دعوتي إلى أن علم العقائد اليوم ينبغي أن ينأى عن التخندقات الضيقة التي تنافي الموضوعية والحياد في الطرح مع جنوح إلى التكلف في ادعاء مالايصح، وأن دارسي العقائد المتكلمين جميعهم أشاروا إلى معبود واحد واختلفوا في العبارة وهو قول الامام أبي الحسن الأشعري قدس الله سره.
وهذا جواب مختصر على سؤالك في بيان صحة نسبة الابانة للإمام الأشعري رحمه الله.
والله أعلم
Source : https://dinpresse.net/?p=9486
