محمد علي لعموري
ليس لهذا المقال أي تشابه مع رواية الروائي العالمي نجيب محفوظ ” اللص والكلاب” التي تحولت إلى عمل سينمائي ضمن الأفلام الدرامية المصرية.
موضوع هذا المقال يسائل صور “اللصوصية” التي باتت مسلكيات شتى لقاعدة عريضة من الذين يعيشون عالم اليوم بأفق مسدود وقلة حيلة إلا من حيلة النصب والإحتيال والتدليس والسطو والنهب والسرقة في واضحة النهار وديجور الليل.
تقع اللصوصية بين أبناء الطبقة المسحوقة التي تآكلت فرصها في العيش بكرامة وإنسانية تحت وطأة نظام رأسمالي جشع يعطيك بيده اليمنى لينزع منك بيده اليسرى.
تآكلت الطبقة الوسطى، بل تزحلقت نحو الأسفل لتلتحق بالطبقة التي كانت تدنوها في سلم الترتيب الطبقي ، وازدادت الطبقة الدنيا تدنيا لتعيش وضعيتها تحت خط الفقر ، وليرتفع معدل الفقر بشكل مخيف يندر بالكارثة وبالإنفجار ، ولتتجسد الهشاشة الإجتماعية في أوساط الطبقتين الوسطى والدنيا أو الفقيرة.
ففي مجتمع مثل المجتمع المغربي الذي اجتاحته الحداثة المادية منذ عرف المذياع ثم التلفاز ثم الفيديو ثم الصحون المقعرة ثم الأنترنيت بما يحمله لك من منصات ومواقع ، وفي عالم غير عادل وغير متكافىء ، يترنح الفقراء ما بين تناقضات شتى، ما بين قيم الموروث الثقافي الذي يرخي بظلاله على الناس منذ قرون تاركا في مخيلتهم وذهنيتهم ندوب الماضي بأساطيره المؤسسة للجهل المقدس، وبقيمه التي تتصادم وقيم عصر العولمة، وصراع النفوس البشرية فيه ما بين الإلتزام بالمحافظة على هذا الإرث بما له وما عليه، وبين العيش بحرية وبمنطق العصر كما تعاش التجارب البشرية الأخرى بما لها وما عليها هي بالنسبة للفرد المغربي نموذج يحتدى، والدليل على ما نقول الرغبة الجماعية للشباب المغربي في معانقة الحلم الأوربي أو الأمريكي.
نعود إلى اللصوصية التي داخلت نمط تفكيرنا ونمط عيشنا، فصنعت من جيل الضباع الذي تنبأ به السوسيولوجي محمد جسوس لصوصا على مقاس تفكيرهم ، فتراهم يغشون في ميزان البيع والشراء، ويكذبون لإقناع الزبون ، ويحتكرون السلع للمزاودة بها في سوق الخصاص ، وينهبون في المناصب وينفخون في الفواتير ويقلصون من حجم القفف المخصصة للفئات الهشة…الخ
لكن اللصوصية لا تقتصر على طبقة دون أخرى ، فهناك لصوصية خمسة نجوم لا يفقه فيها الفقراء شيئا ، وهناك لصوصية مرتبطة بالرأسمال الرمزي والديني يفقه فيه تجار الدين المضاربون بالخطاب الديني المزاودون على السلطة وعلى المجتمع في الشرعية ذات الصلة بالقيم الدينية المشتركة المسروقة من طرف رجال دين أو فقهاء أو شيوخ فضائيات اغتنوا من هذه التجارة المربحة فسكنوا الفلل والقصور ووعدوا الفقراء بجنة الخلد بعد الصبر واحتساب الحق عند الله !
لكن حتى في لحظة العيد التي يتقرب فيها المسلمون بشعيرة الذبح كقربان مهدى إلى السماء ، أفسدت اللصوصية طعم هذه الشعيرة ليصبح باعة الخرفان جشعين يدلسون على المؤمن ليشتري بثمن باهظ يفوق إمكاناته…
ففي عز الحر وتبعات أزمة كورونا وحلول العيد الكبير ، تحولت إحدى ساحات عرض الخروف وفي ليلة العيد إلى معركة للنهب والسرقة بعد غلاء ثمن الخروف بسبب القرار المفاجىء للسلطة بمنع التنقل بين ثمانية مدن واحتباس الحركة الإقتصادية في نطاقها المرسوم لها ، تفاديا لاستفحال الوضع أمام حالة التراخي التي أبانت عنها الحالات المرتفعة لعدد الإصابات بفيروس كورونا…
فما أبان عنه الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الإجتماعي مثل النار في الهشيم ، عن تطور مخيف لمستوى اللصوصية ومنسوب النهب وأزمة قيم مزعجة تحتاج منا وفقة تأمل قبل اتساع رقعتها لتصبح قاعدة عامة بيننا..
لهذا فإن تطبيق القانون وإن أدى وظيفته في ردع هذه الحالات الجماعية ، فلن يقضي على هذه الآفة التي عرت عنها واقعة سرقة الأضاحي بشكل جماعي في سوق عمومي وفي واضحة النهار !
نحتاج بالفعل إلى إعادة تثبيت “النموذج القيمي الأعلى” الذي بات يتلاشى منذ مدة ، فجاءت واقعة سرقة الخروف بشكل جماعي من أجل الظفر بلحم يوم العيد ، لتعري عن أزمة ضمير منحل من كل تعاقد ضمني مع المطلق ، أي مع حضور الله في النفوس وفي الوعي الديني للمتدينين الذين أصبحوا يبحثون عن الخروف بأي وجه كان ، ولا يهمهم بعد ذلك إن كان هديهم مقبولا ! كل ذلك بعيدا عن القيمة الرمزية والدينية لشعيرة الذبح.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=9048
elhaitamymustapha@gmail.comمنذ 4 سنوات
شرحت فاحسنت فكل مانعيشه في الآونة الأخيرة ناتج عن المشاكل الاجتماعية بالدرجة الأولى في ضل غياب استراتيجيات تحتوي على اسس وقواعد تابثة ترفع من جودة تدبير الشأن العام وما شهد في اليوم الاخير قبيل العيد الا عينة من مخلفات سوء التدبير فالقرارات تحتاج إلى التبصر والحكامة فالحياة خيوطها مترابطة فان تفكك خيط منها تسربت باقي الخيوط