تراوحت مواقف إسلاميي المغرب بين “الصمت” غير المفهوم لحركة التوحيد والإصلاح، الجناح الدعوي والتربوي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وتجاهل واضح من العدل والإحسان، فيما كانت ردود سلفيي المغرب الأولى الأكثر “قساوة” على الشيخ، ليستدرك بعضهم، ويلين خطاب العزاء في موت عالم يشهد له خصومه قبل محبيه بالورع والعلم والربانية.
وكان موقف مصطفى المرواني والدكتور يوسف حميتو أكثر موضوعية وإن كان معارضا للرأي الأكثر شعبية وهو الهجوم على الشيخ والتشفي في مقتله.
“صمت” حركة التوحيد والإصلاح
تجاهلت حركة التوحيد والإصلاح نبأ مقتل الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، فلم يجد خبره طريقا إلى الموقع الرسمي للحركة ولا على صفحتها على الفيسبوك، ولا على الموقع الإلكتروني لجريدة التجديد التي تصدرها الحركة، فالعدد الورقي لنهاية الأسبوع طبع يوما قبل وفاة البوطي الذي كان يوم الخميس 21 مارس 2013. (نشر موقع الإصلاح بعد كتابتنا للمقال –السبت, 23 مارس 2013 17:25 – خبرا عن بيان للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يطالب بتحقيق أممي في مقتل الشيخ البوطي).
وإلى حدود كتابة هذا المقال لم تكلف الحركة نفسها عناء إصدار نعي أو بيان يندد بمقتل أحد المفكرين الإسلاميين الذي يعد من مراجعها الفكرية منذ أن كانت “الجماعة الإسلامية”.
من غريب الأقدار، أن حركة التوحيد والإصلاح توصي في آخر منظومة تربوية لها: “سبيل الفلاح”، وخاصة في الجزء الثاني: المجال القيمي، توصي بكتابين للبوطي وهما: “فقه السيرة” وشرحه للحكم العطائية ضمن مراجع لمنتسبيها.
فهي توصي بفقه السيرة في الدرس الثالث: “التوبة والصدق”، والدرس الموالي له: “الصبر واحتمال الأذى”، وبشرحه للحكم العطائية في الدرس السابع عشر: “التواضع وخفض الجناح للمومنين”، لنتساءل عن حضور هذه المضامين الربانية في تعامل الحركة مع موت العلامة البوطي.
نعم، هناك بعض أبناء الحركة كانت لهم تدوينات على صفحاتهم على الفيسبوك، ترحموا فيها على الشيخ وأدانوا مقتله، منها كلمات الدكتور احمد الشقيري الديني.
“تجاهل” العدل والإحسان
جماعة العدل والإحسان خرقت حاجز الصمت بخبر يتيم على موقع الجماعة يذكر وفاة عالم الشام محمد سعيد رمضان البوطي، وباستثناء ذلك تجاهلت الأمر، والتزمت “الحياد”، فلم تنشر لمن أثنى على البوطي واعتبره شهيدا، ولا لمن جلدوه ميتا ومن قبل حيا.
الجماعة في موقفها هذا منسجمة مع نفسها وأطروحاتها، فليس قبل ولا بعد “المرشد العام” “المجدد” عبد السلام ياسين، مرجعا أو شيخا. ولا ينبغي لوهج وفاة مرشدها أن تزاحمه وفاة عالم آخر.
لكن المستغرب في موقفها أنها لم تندد بمقتل عالم وهي الجماعة الحريصة في “خطابها” على التمسك بمقولات “نبذ العنف” و”عدم حمل السلاح”. فالبوطي من جهة قتل بالسلاح، والشماتة بموته هي في عمقها رد فعل على تشبثه حتى مقتله بعدم حمل السلاح.
عمق الخلاف بين البوطي والموغلين في مخاصمته سياسيا، هو اعتقاده، فالرجل أشعري وصوفي وسني وهي اعتبارات تجعله متمسكا بعدم الخروج على الحاكم أو رفع السلاح عليه، ولو كان ظالما.
البوطي والتجربة المغربية
ظل البوطي يردد اختياره الفقهي المبني على عقيدة أشعرية لها وجاهتها، بأنه لا ينبغي تجاوز الحل السياسي والقفز على المطالبة بالإصلاح سلميا إلى حمل السلاح، وهو ما أكسبه عداوة كبيرة لمناصري ثورات الربيع العربي.
خصومه كانوا يرون ولا يزالون التجربة المصرية والتونسية والليبية واليمنية ناجحة، فيما كان الرجل يحذر من شلالات الدم والعنف، وما حذر منه هو الواقع الذي لا يمكن رفعه بالهتاف أو الشماتة.
في الربيع العربي كان منهاجان فرزهما الواقع، تجربة الإطاحة وتجربة الإحاطة.
تجربة الإطاحة بالنظام التي أفرزت اللانظام، والفوضى، الدماء والأشلاء، وتجربة الإحاطة التي لمسناها في التجربة المغربية، حيث لا سلاح ولا دماء، وكان هناك إصلاح ولو لم يبلغ المتوقع، لكن يكفيها تجربة في عمقها الديني والشرعي حققت ما كان يصبو إليه العلامة البوطي ويدعو إليه، الذي ينطلق من قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)، ومن الحديث النبوي: “لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم”.
والتجربة المغربية وإن شابها ما شابها من تجاوزات، فيكفيها في الميزان الحضاري أنها حصلت على الأمن والاستقرار بوضع حد فاصل لإراقة الدم.
الذي أستغربه أيضا كيف لعلماء المغرب وحركيي المغرب أن يلوذوا بالصمت، في موت عالم نافح عن الأسس الدينية والفكرية للتجربة المغربية، وأغرب منه أن يكون من علماء المغرب و”مشايخه” من يلعن البوطي وينص على دخوله جهنم تعيينا، وهو ما يخالف أهم ركائز العقيدة.
السلفية: “لعن” واستدراك..
أول رد فعل يطالعنا لسلفيي المغرب جاء من الأستاذ محمد عبد الوهاب رفيقي “أبو حفص”، يمكن أن نختار من كلامه عنوانا له: “حزين جدا”، عبر فيه عن حزن بنكهة الشماتة، منه تعبيره: “حزين على أن يموت صاحب (فقه السيرة النبوية) الذي تربت عليه كل الحركات الإسلامية هذه الموتة الرديئة”. ويضيف: “حزين عليك أن تموت هذه الميتة الرديئة، والنهاية الغير السعيدة”.، لكنه لم يبلغ به الأمر إلى لعنه، وختم بقوله: “أما وقد أفضيت إلى ربك، إن شاء عذبك وإن شاء غفر لك، فلا يسعنا إلا الترحم عليك، وأن نسأل الله أن ينصر مخالفي ولي نعمتك، والا يميتنا ميتة كميتتك”.
ثم يعود “أبو حفص” في تدوينة أخرى مستدركا بقوله: “لا زلت مصدوما بما حصل للشيخ سعيد رمضان البوطي، ولا زلت أعيش أصداء الحدث، راجعت نفسي في قولي عنه: الخاتمة السيئة، قلت: ما يدريني أنه مات على ذلك؟، لعل الرجل تاب قبل موته، لعله فعلا كان ينوي الفرار بنفسه وأهله كما تداولت بعض وسائل الإعلام، لعل الرجل كان مكرها متأولا ولو أراد أموال الامريكيين و الخليجيين لاغترف منها كما يريد”.
كان رد فعل الدكتور أبو جميل الحسن العلمي، وهو عضو للمجلس العلمي المحلي للقنيطرة، الأكثر قساوة، ويكفي أن ننقل منه السطور الأولى: “هلاك البوطي بشرى ﻷهل السنة يجب أن يفرح بها المسلمون”، وأضاف: “فقد أراح الله بموته المستضعفين من أهل الشام الذين صب عليهم جام شتائمه وسخائمه، وأغرقهم بفتاواه المائعة الداعية إلى الانبطاح والدخول في طاعة مجرم النصيرية اللعين حشره الله معه”.
آل الكتاني بدورهم عبروا عن رد فعلهم، أولها كلام الشيخ حسن الكتاني الذي اكتفى بالتعريض بالبوطي بهذه العبارة: “اللهم انا نسألك حسن الخاتمة وان تستخدمنا لطاعتك والمحن والابتلاءات تبين مواقف الرجال وبها يميز الامام الرباني من العالم الذي باع دينه بدنيا غيره. فاللهم سلم سلم”.
أما الدكتور محمد حمزة الكتاني، في تدويناته الأولى على صفحته في الفيسبوك، فقد كان هو الآخر قاسيا على البوطي، لكنه استدرك ذلك ببيان اعتبر فيه أن البوطي ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا، وأنه “فإننا نرى أنه أصاب وأخطأ، خطأه كبير جدا، وصوابه كبير جدا، وليس على الله بمستعص أن يغمر خطاياه في بحر فضله وخالص نيته”.
هكذا اختلفت مواقف إسلاميي وسلفيي المغرب، و”عالم الشام” قد أفضى إلى مولاه، وللأموات حرمات، ولحوم العلماء مسمومة، والغيبة أن تذكر أخاك في غيبته بما يكره، فما بالك والرجل قد ووري التراب.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=792