إدريس عدار
لا يمكن قراءة كتاب “ثغور المرابطة” لطه عبد الرحمان إلا في سياقه، فلو جاء في زمن غير هذا لكانت قراءته مختلفة، وبالتالي يمكن أن تشكل حوله رؤية مغايرة ولو تختلف معه، لكن بما أن الكتاب جاء في سياق محدد لا يمكن قراءته خارج هذا السياق. فأي قراءة نقدية تتجاهل السياق هي قراءة سطحية كما هو متعارف عند النقاد، فلو أصدر الكتاب قبيل المعركة الكبرى التي دارت رحاها من أجل إسقاط محور المقاومة، لتم فهمه بشكل مغاير، ولكن كتاب الثغور جاء في جو “شيطنة” المقاومة مجتمعة، إذ لو تم في وقت سابق لكان من الصعب تصنيفه ضمن الأدوات التي يتم استعمالها لضرب القوة المقاومة.
ومما يعزز ما ذهبنا إليه أن كتاب الثغور مسبوق بكتاب “الحداثة والمقاومة”، وكان هذا الأخير في الأصل محاضرة تحولت إلى كتيب يمدح فيها طه المقاومة بعد انتصار تموز التاريخي، وفي هذا الزمن كان الكل يجامل المقاومة ويشيد بانتصاراتها، ولم يكن انتصارها آنذاك اغترار كما يقول الآن، وليس الوحيد الذي قال ما قال، فقد سبقه إلى ذلك يوسف القرضاوي، الذي قال بعد تمجيد المقاومة بأن حزب الله هو حزب اللات، وهذا ما وصل إليه طه عبد الرحمن بعد سنوات، مستعملا بعض التعقيدات اللغوية والتفريعات، حيث وصف قطب رحى المقاومة بالاحتياز وأنها تنازع الإله في الألوهية بعد أن تورط في قراءة طائفية مبيتة.
أليست عبارة حزب اللات هي نفسها “منازعة الإله في ألوهيته؟”، يعني كل قوافل الشهداء، الذين ما خرجوا إلا بنية الدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات هم مجرد عبدة الطاغوت، وما خرجوا إلا للتسيد والسيطرة؟ ألم تسمع مثل هذا الكلام منذ سنوات ومن جهات محددة بالضبط؟ فما الجديد في كلام طه غير تلك العبارات الملتوية؟ والتعقيد خارج الصناعة متاهة لا توصل إلى المعرفة.
في سياق “السياق” لابد من الحديث عن شكل الكتاب. لا يمكن تفادي بعض العتبات قبل الدخول إلى الدار. الكتاب طبعه مركز قطري يوجد بالرباط. لم تطبعه دار نشر محايدة. ولهذا حقق هدفين، ضرب محور جزء من محور التطبيع، حتى يظهر الممول صاحب حكمة ولم لا يتحول إلى قطب رحى المرابطة المقدسية؟ ربما التبست على طه الأمور واعتبر هروب خالد مشعل بعد فشله في الملف السوري هو لجوء نحو كعبة المقاومة الجديدة؟ والهدف الثاني تصفية الحساب مع محور المقاومة بأدوات لا تختلف عن أدوات المحور مجتمعة.
ثلاث عناصر تبين أن كتاب الثغور هو أداة حرب وليس كتابا في المعرفة، قام صاحبه بالتلبيس على القارئ كما عادته ووقع في فخ القراءة السطحية الكثير من المنبهرين مرددين التسبيحات نفسها التي سمعناها منذ سنوات وهذه الايام نسمعها من سلفية الجماعات والتنظيمات ومن لا زال يحتفظ بتلك النزعة، حيث يروج لفكرة مفادها أن القليل من يستطيع فهم كتاباته، وقد تلقفها كثيرون ومنهم محسوبون على المثقفين، ولا أفهم كيف لا يستطيع مثقفا فهم كتابة من هذا النوع، بل ادعى فيه أسبقية الكتابة الفلسفية حول المقاومة وهي معطى غير دقيق بوجود كتابات سابقة عنه، وأعرف أن طه يقرأ لأصحابها.
وقمنا خلال مقالات سابقة بتوضيح يتعلق بالكاتب، كما طلب منا البعض، حول موقفه من المقاومة بعدما قام أحد “مريديه”المزيفين، وهو من سمى نفسه بذلك، بوصفه بفيلسوف المقاومة. حاولت أن أستدل على فساد هذا الوصف على الرغم من أنه وصف منقول ومسروق أيضا. لكن كان المريد، ولا يعترف طه لمن هم أكبر منه بذلك، كلما أفحمناه بالحجة يهرب إلى رأس الجبل قائلا: “ما قلتلي والو”. طبعا أنا على يقين أنه ليس معيارا للقراءة، لأن من هم أكبر منه علما ومعرفة نوهوا بالقراءة. وأنا أيضا لا أكتب من أجل أن أقنعه، إذ لا يمكن التواصل أصلا مع شخص بنا “كذبة” يريد أن يتعيّش منها، ولكن أكتب لمن يحاول خداعهم، خصوصا من لا يعرفون جغرافية الأفكار في مجالنا.
وبدل أن يرد على الحجة بالحجة، لا زال يدور ويكرر ويسبح بان طه مفكر وفيلسوف وهذا أمر مسلم لا يجادل فيه حتى نقاده، فهل الآن فقط اكتشفت هذا أم أن جعبتك فارغة لأنك لم تجب عن رأيك في النصوص التي سألت عنها فقدمناها؟ بالأمس عندما رأيت غيرك يتحدث عن محمد عابد الجابري، في إطار تقييم مشروعه الفكري، ومدحته كثيرا، ألم تكن تعرف بأن طه أقام مشروعه كاملا على نقد الجابري وتغلّظ في القول؟
النقاش العلمي والفلسفي وهو اكبر منك له مقام آخر ولكن النقاش يدور الآن حول كتاب ثغور المرابطة الذي هو طعن في محور المقاومة. كيف يكون فيلسوف المقاومة من يردد كلام خصوم المقاومة نفسها، هو فيلسوف المحور الاخواني وكلامه يزكي موقف القرضاوي وغيره بطريقة مختلفة. هذا النقاش محسوم فكيف تغطي الشمس بالغربال وتغطي شيئا لم يغطيه حتى صاحبه.
وأكثر من الصراخ متهما الآخرين بالقطيع، لكن مشكلة هؤلاء هي الإسقاط، طبعا لأنهم ألفوا القطيع منذ زمن بعيد وما زالوا يعيشون كقطيع فهم يتهمون الآخرين بذلك. لقد رصدناهم في الصيف يأتون إلى الرباط يأكلون من أموال “التبليغ” يلتقون بالزعيم الذي بقي بلا تنظيم بعد اعتقاله في قضية بلعيرج وهو بالمناسبة يحمل ضغينة طائفية وهابية ضد القوم ولا ندري لماذا يلتقون معه في الكواليس، ومنه يتزودون بالأفكار الظلامية التكفيرية كما هو معروف عنه.
تتهم الآخر بالتحريف وأنت مارست التحريف في التلخيص، وربما لجهلك بالأفكار خصوصا قد أظهرت أنك مبتدئ في قراءة طه. والتلخيص في هذا المقام بلادة لأننا نريد قراءة فهو يلخص كلامه بنفسه عند الانتهاء من كل فقرة، وهو في هذا دقيق. هو لا يحتاجك لتلخص كتابه وهذا نموذج من تلك الخلاصات التي أخفيتها على القارئ والتي نطالب “الفرارة” أن يجيب عنها بدل أن يميل يمينا وشمالا بلا دليل ولا اقناع، يقول طه عبد الرحمن : فإذا كان اعتماد النظام الإيراني على المركزية الشيعية يفضي إلى تفرق الأمة بدلا من وحدتها، فهذا يعني أن هذا النظام اغتر بقدرته الثورية، بانيا عليها من الحسابات والتوقعات والطموحات ما لا تطيقه وكل نظام تدخل عليه آفة الاغترار بقدرته يكون معرضا لانقلاب وسائله إلى نقائضها…”.
وأجبنا عما قاله في الصفحة 77 “إنما يستحوذ هذا الازذواج العصبوي (العرق والقومية) والالتباس السلطوي على عقول الجمهور، حتى لا يتهمهما في أطماعهما السياسية أو يشكك فيها، وينتصر لمغامراتهما الهيمنية، بابذل النفس والنفيس من أجلها، تكريسا لتوسعهما”…وقال في هامش الصفحة: تأمل الحروب الطائفية في العراق وسوريا واليمن. لم يقل لبنان حتى لا يحتج عليه أحد بكتابه السابق(حاضي راسو مزيان). أنت هل تعتبر ما جرى في سوريا حرب طائفية أم حربا ضد محور المقاومة؟
محتوى ومقصد هذا الكتاب وغايته هو إخراج محور المقاومة وقطب رحاه من المرابطة، ولقد اجتهد في إخراجه من المرابطة فضلا عن أن يكون قائدا لها.
دخلنا في نقاشات وأوردنا استدلالات وما زال الهارب يتساءل: من أنتم؟ هذا تهريج
هذا الكتاب محاولة لتحريف التاريخ الطبيعي للبشرية، لكل الجماعات المنتصرة، التي من حقها أن تحتفل بنصرها، هو اعتبره مجرد اغترار واستكبار.
إلى هذا الحد يكون توضيحنا، على أن نلتقي في دراسة بشروط البحث وقواعده، نحاور نص كتاب ثغور المرابطة تفكيكا وتركيبا ونستنطقها حتى تدلي هي بالخلاصات. سأضع امام القارئ تفاصيل تلك النصوص التي يخفيها قراءه المبتدؤون في مقاربة اشمل بعيدا عن اللعب مع من لا زالوا يعيشون على التطبيل ونزعة القطيع.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=10347