كتب RONALD F. INGLEHARTk مؤلف كتاب “الانحدار المفاجئ للدين: ما الذي يسببه وماذا بعد ذلك؟ ” مقالاً في مجلة Foreign Affairs الأمريكية حاول فيه رصد الأسباب التي أدت من وجهة نظره إلى تراجع التدين في العالم.
يقول الكاتب بدت نزعة التديّن في ازدياد خلال السنوات الأولى من القرن الـ21، حيث ترك انهيار الشيوعية والاتحاد السوفييتي فراغاً أيديولوجياً تمكنت من ملئه المسيحية الأرثوذكسية في روسيا ودول ما بعد الاتحاد السوفييتي.
لكن بدأ هذا الوضع يتغيّر بسرعة مذهلة منذ عام 2007، حيث أصبح السكان في 43 دولة من أصل 49 أقل تديناً بدايةً من عام 2007 حتى عام 2019، ولم يقتصر تراجع الالتزام بالأديان على الدول ذات الدخل المرتفع فحسب، بل ظهر في معظم أنحاء العالم.
وننشر جزء من هذا المقال سيما المتعلق بالولايات المتحدة الأمركية، الذي جاء بعنوان: ترامب وأمثاله من السياسيين يُبعدون الناس عن الدين.
يقول صاحب المقال ان هناك عدة عوامل تساعد على تفسير ظاهرة تراجع الالتزام بالدين، وكانت السياسات مسؤولة عن بعض هذا التراجع في الولايات المتحدة الأمريكية.
وسعى الحزب الجمهوري منذ تسعينيات القرن الماضي، لكسب دعم الناخبين المتدينين من خلال تبني مواقف مسيحية محافظة تتعلّق بزواج المثليين والإجهاض وعدد من القضايا الثقافية الأخرى؛ وهو ما أدى إلى خلق حالة نفور من الدين في أوساط ناخبين آخرين، لاسيما الشباب وأصحاب الثقافة الليبرالية.
وكان يُفترض بوجهٍ عام، أن تُشكّل المعتقدات الدينية وجهات النظر السياسية، وليس العكس، لكن الأدلة الحديثة تشير إلى أنَّ تلك العلاقة السببية قد تسير في الاتجاه العكسي، حيث وجدت دراسات أنَّ العديد من الأشخاص يُغيّرون وجهات نظرهم السياسية أولاً ثم يصبحون أقل تديناً.
وأدَّى القبول المعلن للرئيس دونالد ترامب -وهو رجل لا يمكن وصفه بأنَّه نموذج للفضيلة المسيحية- من جانب العديد من الإنجيليين البارزين إلى إثارة خوف الإنجيليين الآخرين من انصراف الشباب عن كنائسهم، مما يساعد في تسريع اتجاه مستمر بالفعل.
وفي وقت سابق من هذا العام، وجد استطلاع رأي أجراه مركز “بيو” للأبحاث، أنَّ 92% من الأمريكيين البالغين كانوا على علم بالتقارير الأخيرة المتعلّقة باعتداءات جنسية ارتكبها قساوسة ينتمون للكنيسة الكاثوليكية، وقال 27% ممّن شملهم الاستطلاع إنَّهم قلّصوا حضورهم قداسات الكنيسة، بسبب هذه التقارير.
على الرغم من الاختلافات الكبيرة في النصوص المقدسة للديانات الرئيسية في العالم، تشترك جميع الديانات في غرس تلك التعاليم المؤيدة للتناسل في نفوس وعقول أتباعها، وأكدت الأديان أهمية الإنجاب واعتبرته ضرورة في عالم يتسم بارتفاع معدل وفيات الرُّضع وانخفاض متوسط العمر المتوقع للإنسان.
خلال القرن الـ20، نجح عدد متزايد من الدول في تحقيق انخفاض جذري بمعدلات وفيات الرضع وارتفاع في متوسط العمر المتوقع، ومن ثمَّ لم تعد تلك المعايير الثقافية الدينية ضرورية. بالإضافة إلى ذلك، قدَّمت الديانات الرئيسية في العالم تلك المعايير المتعلقة بالخصوبة باعتبارها قواعد أخلاقية مطلقة وقاومت التغيير بشدة.
وبدأ الناس في التخلي بخطى متثاقلة عن المعتقدات والأدوار المجتمعية المألوفة التي عرفوها منذ الطفولة فيما يتعلق بنوع الجنس والسلوك الجنسي. لكن عندما وصل المجتمع إلى مستوى عالٍ كافٍ من الأمن الاقتصادي والمادي، نشأت الأجيال الشابة على اعتبار هذا الأمن المُتحقّق من المُسلَّمات، وتشهد العديد من دول العالم حالياً تغييراً سريعاً في الأفكار والممارسات والقوانين المتعلقة بالمساواة بين الجنسين والطلاق والإجهاض والمثلية الجنسية..
وتقلل الجوائح مثل جائحة فيروس كورونا المستجد من إحساس الناس بالأمن الاقتصادي والمادي. وإذا استمرت تلك الجائحة لسنوات عديدة قادمة أو نتج عنها كساد كبير جديد، فقد تبدأ تلك التغييرات الثقافية التي شهدتها العقود الأخيرة في الانحسار وقد تنقلب رأساً على عقب.
ترجمة موقع arabicpost عربي بوست
Source : https://dinpresse.net/?p=9472