مؤتمر: من الفوائد الكبرى لفقه الطوارئ

دينبريس
مؤتمرات وندوات
دينبريس5 أغسطس 2020آخر تحديث : الأربعاء 5 أغسطس 2020 - 8:05 صباحًا
مؤتمر: من الفوائد الكبرى لفقه الطوارئ

من إعداد :محمد جناي
انعقد بدعوة من رابطة العالم الإسلامي وهيئة علماء المسلمين برئاسة الأمين العام الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، ومجلس الإمارات للإفتاء الشرعي برئاسة العلامة عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيه: المؤتمر العالمي الافتراضي خلال يومي السبت والأحد بتاريخ (27-28/ذي القعدة/1441هـ الموافق 18-19/يوليو/2020م) تحت عنوان “فـقـه الــطـوارئ.. معالم فقه ما بعد جائحة فيروس كورونا المستجد”، بمشاركة نخبة متميزة من أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة علماء الشريعة الأجلاء، وخبراء الواقع الأكفاء، من مختلف دول العالم.

وكما هو جلي، يندرج فقه الطوارئ في صلب متطلبات المسؤولية الشرعية المترتبة على ضبط وتسيير العبادات وفق إكراهات الأزمة الصحية الراهنة التي فرضت أحكاماً مؤقتة في الحقل الديني، بالإضافة إلى استثمار دوافع ومحددات الأخلاقية الدينية في دعم سياسات التضامن والتكافل التي يقتضيها الوضع الراهن.

ومن الفوائد الكبرى لفقه الطوارئ إبراز جوانب اليسر والرحمة في الدين، التي تتجلى في تعليق أو تأطير بعض الإلزامات الشرعية المتعلقة بصلاة الجماعة والجمعة وأحكام العيد والحج، بما كشف عن إحدى القواعد التأويلية الأساسية في الشريعة، وهي مرونة الأفعال التعبدية، وقابليتها للأداء وفق محددات التدين الفردي

وإن فقه الطوارئ فقه مركب من الواقع والدليل الشرعي غايته البحث عن التيسير والرخص لقيام موجبها، ومادته نصوص الوحي المؤصلة للتيسير وما بني عليها من الأدلة والقواعد، والفاعل فيه الفقيه والخبير والحاكم.

و شريعتنا السمحة لما كانت هي المنظومة التعبدية والقانونية التي تحكم النسق السلوكي والمعياري للمسلم فردا وجماعة قد أولت الطوارئ فضل عناية ومزيد اهتمام واستوعبت آثارها الكليات الخمس.

والعلامة ابن بيه يعرّف فقه الطوارئ بأنه «فقه يبحث عن اليسر في مواطن العسر، وعن السهولة في مواقع الوعورة، وعن الرُّخَص لقيام موجبها بدل العزائم».

ومن الفوائد الكبرى لفقه الطوارئ إبراز جوانب اليسر والرحمة في الدين، التي تتجلى في تعليق أو تأطير بعض الإلزامات الشرعية المتعلقة بصلاة الجماعة والجمعة وأحكام العيد والحج، بما كشف عن إحدى القواعد التأويلية الأساسية في الشريعة، وهي مرونة الأفعال التعبدية، وقابليتها للأداء وفق محددات التدين الفردي.

إن شريعتنا السمحة لما كانت هي المنظومة التعبدية والقانونية التي تحكم النسق السلوكي والمعياري للمسلم فردا وجماعة قد أولت الطوارئ فضل عناية ومزيد اهتمام واستوعبت آثارها الكليات الخمس:

1- كلي الدين: الاعتقاد والعبادات
أ- المنحى العقدي:
– إن هذه الأزمة (الجائحة الوبائية) أثارت مسألة الخير والشر والقضاء والقدر ودائرة المقادير الكبرى التي تتسع لمجال أرحب من دائرة فعل الإنسان واختياره وربما أبعد من فهمه وأحيانا من تفهُّمه.
– إن الأسئلة التي تتعلق بفهم طبيعة الوباء وأسبابه وكيفية التعامل معه وقاية وعلاجا في الحاضر والمستقبل كلها أسئلة مشروعة لا تتنافى والاعترافَ بقدرة الله عز وجل وقدره، فمكافحة الأوبئة كمكافحة كل ما يؤذي الإنسان هي فرار من قدر الله إلى قدره.
– إن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد المتوكلين كان يتداوى ويأمر الناس بالتداوي، فالتوكل حالة قلبية وترك الأسباب إساءة للأدب مع الله عز وجل.
– إن الحديث النبوي الصحيح: ” لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء بَرَأَ بإذن الله” أصل عظيم في الجمع بين الأخذ بالأسباب والتوكل على خالق الداء والدواء، وأمل للباحثين وبشرى للإنسانية.
– إذا كانت الأسئلة التي مدارها على البحث في السنن الكونية المتعلقة بالوباء وبغيره من الكوارث الطبيعية مشروعة ومنسجمة مع التوكل على الله عز وجل فإن الشك في الحكمة الربانية منها راجع إلى غرور وقصور في التفكير، لأن الحكمة الربانية لا تقاس بقوانين المخلوقات فأفعال الباري عز وجل وأوامره خير وحسن وجمال.
– إن الظواهر الكونية كالأوبئة والزلازل لا ينسب لها خير ولا شر لأن الخيرية وضدها لا تحددها الصورة فالفعل الواحد كالقتل قد نعتبره خيرا في حال وشرا في حال آخر، وإنما تتحدد الخيرية وضدها بالبواعث والمآلات.
– إن المعرفة البشرية لا تتجاوز الآماد العاجلة والأحوال الظاهرة مما يعوق الإنسان عن فهم حكمة الله عز وجل التي تحيط بالعواقب الدنيوية والآثار الأخروية ﴿ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾.
– إن الرؤية الإسلامية لمعالجة الطوارئ من منظور عقدي تقوم على مبدأ ابتلاء العليم الخبير للبشر على هذا الكوكب بالسراء والضراء، فيلزمهم تجاه الكوارث الثقة في حكمة مولاهم والتسليم النفسي له والأمل في ما عنده من الخير والفضل والتمسُّك بما أمر به وأرشد إليه من اتخاذ الأسباب والتضامن والتعاون على الخير والنفع العام.

ب- المنحى التعبدي:
– إن فقه الطوارئ في مجال العبادات متجه إلى خطاب الوضع (الأسباب والشروط والموانع )، ومفعِّل لمرتبة الرخص، ومحَكِّم للكلي الضروري، ومنزّل لمقصد التيسير.
– إن القاعدة الأولى من قواعد فقه الطوارئ قاعدة: “المشقة تجلب التيسير” إحدى القواعد الخمس التي ينبني عليها الفقه الإسلامي استنباطا من نصوص الكتاب والسنة وغيرها من الأدلة المتضافرة على مقصدية التيسير في شريعتنا السمحة.
– إن من مظاهر مقصد التيسير وتطبيقات قاعدة المشقة التوسعةَ باختلاف العلماء. فإن الأمر المختلف فيه أوسع من المجمع على تحريمه، وفي المختلف فيه مندوحة عن مواقعة الحرام، إذ المختلف فيه من جنس المشتبه، الذي مداره على الكراهة.
– إن من مظاهر إعمال مقصد التيسير وتطبيق قاعدة المشقة تذكير مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي السائلين والمستفتين بالرخص الشرعية في ترك الصلوات الجماعية الخمس والتغيب عنها وتعليقها.
– ومنها إيقاف الجُمع إلى حين أمن غوائل عدوى الوباء. فإقامة الجمعة في البيوت لا تصحُّ كما لا تجوز صلاتها في البيت اقتداء بالصوت أو عبر نقل البثِّ المباشر، فللجمعة هيئتها المخصوصة التي تقام عند حصولها وتسقط عند عدمها.
– ومنها إعطاء المصاب بداء الكوفيد 19 المستجد حكم المريض فيندب له الفطر عند المشقة ويجب عليه إن كان الصوم يفاقم مرضه أو يعرضه للخطر، وكذا الإفتاء للطواقم الطبية المشرفة على المرضى بالفطر أيام عملهم إذا خافوا أن تضعف مناعتهم أو يضيعوا مرضاهم استنادا إلى مذهب أبي حنيفة ونقول من مذهب مالك وأحمد.
– ومنها الترخيص في تقديم دفع الزكاة استنادا إلى السنة النبوية أو تأخيرها لعمل الصحابة رضي الله عنهم وهو مذهب جل الأحناف.
– ومنها تأكيد لزوم التقيّد والالتزام بما تتخذه حكومة خادم الحرمين الشريفين انطلاقا من مسؤوليتها السيادية والشرعية في رعاية الحجاج والمعتمرين والزوار وإعانة لها في الحفاظ على صحة الجميع وسلامتهم.

2- كلي النفس:
– إن كلي النفس أهم مشكل في هذا الوباء ، وإن من مظاهر مقصد التيسير في الشريعة تقديم ضروري الحياة على سائر جزئيات الشريعة بما في ذلك جزئيات ضروري الدين.
– إن المقصود بالدين المقدم حفظُه على حفظ النفس في سلم الضروريات هو الإيمان الذي خوطب به جميع الرسل في قوله تعالى ﴿ شرع لكم من الدين ما وصينا به نوحا والذي أوحينا إليك-الآية- ﴾
لا كل الشريعة بفروعها وجزئياتها، فالحفاظ على حياة الناس وسلامتهم والوقاية من انتشار المرض المعدي عذر شرعي صحيح من جنس المناسب الشرعي المؤثّر.
– إن حديث “لا عدوى ولا طيرة”، الذي كتب حوله الكثير منذ القديم هو نفي لوجود مرض فاعل ومؤثر بذاته في الانتقال من ذات إلى أخرى كما كان يتصور أهل الجاهلية، لكنه لم ينف الوقوع الطبيعي للعدوى بدليل نهي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يورد ممرض على مصح، وأمره بالفرار من المجذوم كما يُفَر من الأسد.
– إن هذه الطريقة في الجمع بين الأحاديث المثبتة للعدوى والنافية لها هي الأوفق بمنهج الشريعة في عدم تعطيلها للأسباب وعدم إبطالها للأصول الطبيعية وهي الموافقة لنتائج العلم الحديث.
– إن ما رجحه بعض أهل العلم قديما من أن ظنّ العدوى لا يجيز ترك عيادة المرضى وصلة الرحم وسدّ أبواب المرافق والمصالح انبنى على تصورهم للعدوى بأنها من الحوادث الارتباطية ضعيفة الاحتمال أما وقد صار فهمنا اليوم لآليات انتقال الأمراض أكثر دقة وارتفاع مستوى الاحتمال فيها إلى غلبة الظنّ، فلا وجه للتفريق بين أي وباء معد وبين سائر ما اطردت العادة به من المضرات والمهالك.
– إن الإجراءات الاحترازية خصوصا اذا أمر بها الحاكم يرتقي حكمها إلى الوجوب، ومخالفتها إلى الحرمة، لأنها من الأحكام الشرعية في كلي حفظ النفس وهي أحكام ملزمة وليست مجرد نصح أو توجيه، بل تترتب عليها عقوبات شرعية للذي يخالفها متعمدا.

3- كلي المال:
– إن القاعدة الأولى من قواعد فقه الطوارئ في العقود والمعاملات قاعدة: “الضرر يزال” المستنبطة من القرآن الكريم استقراء ومن السنة نصا ومن الإجماع نقلا.
– إن فقه الطوارئ في العقود والمعاملات نظير ما هو معروف في القوانين المعاصرة من نظرية الظروف الطارئة التي نشأت في الغرب، وتضاف إليها نظرية القوة القاهرة المشابهة.
– إن نظريتي الظروف الطارئة والقوة القاهرة تهدفان إلى إصلاح اختلال التوازن في العقد وتدارك أمر لم يكن متوقعا فحدث، بحيث يرُد القضاء -بعد الموازنة بين مصلحة المتعاقديْن- الالتزام المرهق لأحد الطرفين إلى الحد المعقول.
– إن أحكام الطوارئ في شريعتنا السمحة أرحب وأوسع وأشد مرونة من نظرية الظروف الطارئة في القانون لأنها لا تشترط في مراجعة نتائج العقد ورفع أضراره ما يعتبره القانون قوة قاهرة بل تراعي ما دونها كالحوادث الطارئة وما هو أعم من ذلك.
– إن الفقه الإسلامي يتميّز بانسجام أحكام الطوارئ فيه مع أحكام الجوائح التي تُنتظم في عقد واحد وترتبط برباط وثيق، هو نسيج وحده في كثير من الفروع. وذلك لمرونة مفهوم الجائحة في الفقه الإسلامي التي وسعها النظر الفقهي من أصلها المنصوص في الثمار إلى عموم أحكام الطوارئ.
– إن بوسع القضاة والمفتين انطلاقا من هذا الشمول الذي تتيحه النصوص الشرعية في توسيع مفهوم الجائحة، أن ينظروا في النوازل والأقضية نظرا خاصا، ليحققوا المناط في وجود الضرر الموجب للفسخ الكلي أو الجزئي، أو عدم وجوده، بحيث يوسعوا مفهوم الجائحة الجزئية أو يرتقوا بالمفهوم إلى صيغة جديدة كلية، بناء على شمول آثار أزمة هذا الوباء الجديد لجميع الكليات.

4- كلي العقل والنسل:
– إنّ من آثار الوباء الجديد وما فرضه من حجر في البيوت كثرة النزاعات الأسرية والفتن وارتفاع نسب العنف الأسري ونسب الطلاق، مما يحتّم على أهل العلوم الشرعية والإنسانية والتربوية البحث عن الوسائل الصحيحة في التوعية والتثقيف لبث روح الطمأنينة والوئام في الأسرة حتى تغدو كما يجب أن تكون سَكَنا نفسيا وسكينة تعمر القلوب ومحبة تبهج النفوس.
محمد جناي
– إن مما ينبغي أن يعمَّق البحث فيه مدى صلاحية الآثار النفسية والمادية لهذا الوباء الجديد لتكون مستندا لإخلاء أفراد العائلة من مسؤولياتهم ونتائج تصرفاتهم، لا سيما في باب الطلاق، وخاصة ممن يرى أن المقصود بالإغلاق في الحديث الغضب الشديد.
– إن من مهمات قضايا البحث الفقهي المتعلقة بالوباء الجديد إمكان إناطة الأحكام بالأحوال النفسية والحالات الباطنة دون مظاهرها وعللها التي يشترط فيها الظهور والانضباط كالأمراض العضوية المؤثرة على الأمزجة والتصرفات.

البيان الختامي لمؤتمر “فقه الطوارئ.. معالم فقه ما بعد كورونا”
المصدر:البيان الختامي لمؤتمر “فقه الطوارئ.. معالم فقه ما بعد كورونا” بتاريخ: 19 يوليوز 2020

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.