أحمد الجابري
لعل ما يميز المشهد العام للعمل الجمعوي في المغرب هو الزخم الذي يعرفه نظرا لتنامي عدد جمعيات المجتمع المدني سواء في الحواضر أو في المداشر والقرى. فمنذ تأسيس أول جمعية مغربية في أوائل القرن العشرين قطع العمل الجمعوي أشواطًا طويلة تأرجح خلالها صعودًا وهبوطًا وبين الصالح والطالح وفقًا للظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة. وحسب آخر الإحصائيات بلغ العدد إلى حدود أواسط السنة الجارية ما يناهز 200000 ألف جمعية مسجلة قانونيا، موزعة عبر التراب الوطني، متعددة و مختلفة الأهداف لكن بقاسم مشترك ألا وهو عدم استهداف الربح، على الأقل وفقا لمقتضيات قوانينها الأساسية.
وإن كانت هذه الجمعيات تستقطب العديد من المنخرطين يمثلون مختلف شرائح وطبقات المجتمع، فإن أكبر تحديين تواجههما هما الاستمرارية والالتزام بالأهداف المسطرة التي غالبًا ما يتم نقلها (أنقل وألصق) عن جمعيات أخرى وتداولها دون استيعاب فحواها أو فهم مضامينها لتكون بالتالي مجرد ملء للفراغ يراد منه التسويق والترويج واستقطاب المنخرطين والسعي وراء التزكيات والدعم المادي الذي تمنحه بعض الأحزاب ومجالس الجهات ومجالس العمالات والأقاليم والمجالس الجماعية للجمعيات التي تستوفي المعايير والشروط المحددة. بمعنى آخر، أصبح العمل الجمعوي، بعدما شوهت ملامحه و طاله التسيب والميوعة وزاغ عن مساره المعهود، وسيلة لتحقيق الأهداف الشخصية والانتهازية والاسترزاق الذي قد يتدنى الى درجة التسول والسخرة وخدمة أجندات الأحزاب السياسية التي نظرًا لعزوف الشباب عن الانخراط فيها أصبحت تستهدف أكثر فأكثر الجمعيات “كحاضنات للأصوات” بامتياز.
والوضع على ما هو عليه وانطلاقًا من تجربتي الشخصية في هذا الميدان، خلصت الى ضرورة تحديد إطار عام لممارسة العمل الجمعوي على أساس أننا اليوم مطالبون كذلك أكثر من ذي قبل بتحديد إطار الكفاءات والمهارات على اختلاف أنواعها بما يقتضيه نفض الغبار عن العمل الجمعوي القح وجعله رافعة للتنمية البشرية بكل ما تحمله هذه الكلمات الثلاث من معاني ودلالات سامية وارتباطها الوثيق بمستوى معين من النضج.
هي أربعة أقسام حددتها إذا كقاعدة و إطار عام تتمثل في: أسس العمل الجمعوي، أبعاد العمل الجمعوي، مواصفات الفاعل الجمعوي ثم الخلاصة أو النتيجة.
أسس العمل الجمعوي:
العمل الجمعوي عمل تطوعي بامتياز ينبغي أن ينبني على أسس متينة وصلبة يمكن تلخيصها في ما يلي :
١. المصداقية؛
٢. الالتزام؛
٣. تحديد الأهداف والقضايا المترافع من أجلها؛
٤. المقاربة التشاركية والتشاورية في اتخاذ القرار؛
٥. المنهجية (المهام، الأطوار، الميكانيزمات والأدوات) المتبعة لتسطير خارطة طريق نموذجية تروم تحقيق الأهداف المسطرة؛
٦. الانفتاح على المحيط.
أبعاد العمل الجمعوي:
العمل الجمعوي في نظري ينقسم إلى ثلاثة أبعاد تعد دعامته الأساس أو عموده الفقري :
١. البعد الفلسفي : يقتضي انصهار الآنا أو الذات في الكل لتحقيق أهداف شمولية ومصالح عامة. وهذا بالتالي يتطلب قسطًا وافرًا من نكران الذات والإيثار؛
٢. البعد الإنساني : وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإنجازات التي من شأنها تحقيق طفرة أو تغيير جذري -لم لا- يخدم الصالح العام وما يفرزه ذلك من إحساس بالرضا والسعادة. وهذا ما أعتبره شخصيًا تحقيقًا للذات عبر تحقيق أهداف تعكس قناعات وتطلعات جماعية.
٣. البعد الأيديولوجي : وهنا أعني على وجه الخصوص الأيديولوجية بمعناها الإيجابي أي تلك المجموعة من القيم والأخلاق والأهداف التي ينوى تحقيقها من الجماعة سواء على المدى القريب أو البعيد. أي بمعنى آخر فلسفة الجمعية التي تلقن و يروج لها شريطة استيعاب أعضائها لمبادئها واقتناعهم بها.
مواصفات الفاعل الجمعوي :
١. المصداقية؛
٢. الكاريزما؛
٣. المهارات الوظيفية؛
٤. المهارات التنظيمية؛
٥. الكفاءات الإنسانية والاجتماعية؛
٦. نكران الذات؛
٧. احترام الالتزامات؛
٨. الأمانة؛
٩. القدرة على الابتكار وتقديم المقترحات والحلول الناجعة؛
١٠. التفتح الذهني؛
١١. روح النضال.
النتيجة:
١. استقطاب عدد أكبر من المنخرطين؛
٢. ضمان تعاطفهم؛
٣. كسب ثقتهم؛
٤. الرهان على تكتلهم وتوحيد صفوفهم والتفافهم حول الجمعية لتشكيل نسيج متماسك؛
٥. تشكيل قوة اقتراح مثلى يقتدى بها من لذن باقي جمعيات المجتمع المدني وتدعم الفيدرالية علما أن الجمعيات تعد روافد للفدراليات، وبالتالي، فإن نجاعة استراتيجية فيدرالية ما رهين بمدى فعالية المقترحات والمساندة والدعم المقدمين لها. واعتبارًا لهذا المجاز، فإن رافدًا ملوثًا واحدًا لن يقتصر على تلويث النهر برمته بل حتى محيطه الحيوي.
ومن تمة فإن الإخلال بمتطلبات العمل الجمعوي السالفة الذكر سواء كانت أسسًا أو أبعادًا أو مواصفات يؤدي لا محالة إلى الى النتائج السلبية التالية :
١. ترامي أشخاص غير أكفاء وغير مؤهلين على اضطلاع الأدوار الطلائعية في العمل الجمعوي؛
٢. تفشي الفوضى والالتباس؛
٣. نشر “ثقافة” التفرقة والتشرذم في أوساط المنخرطين المراد، على العكس، استقطابهم وكسب تعاطفهم؛
٤. فقد ثقة المنخرطين في الجمعية ككيان من المفروض أن يدافع عن مكتسباتهم ويحقق مطالبهم ويعكس تطلعاتهم؛
٥. انتشار التأويلات والإشاعات في غياب استراتيجية تواصلية محضة؛
٦. عزوف المنخرطين عن حضور الجموع و عن المشاركة في الانتخابات؛
٧. فقدان المصداقية؛
٨. إضعاف قوة الفيدراليات الوطنية؛
٩. الفشل في تشكيل قيمة مضافة لجمعيات المجتمع المدني.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=8704