زعيم الخيرالله
هَلْ هُناكَ تَضادٌّ بَيْنَ الدِّينِ والْعَقْلِ ؟ أَو الدِّينِ والعِلمِ ؟ وَغَيْرِها منَ الثُنائياتِ التي أَثارَها الحَداثَوِيُّونَ في أَزمنةِ الحَداثَةِ ومابَعْدَها؟
قَبْلَ الاجابةِ عَنْ هذِهِ التَساؤُلاتِ لابُدَّ من تحديدِ المُصْطَلَحاتِ ؛ لانَّهُ بدونِ تَحديدِ المُصْطَلَحاتِ ، وَرَسْمِ الحُدودِ ، سَنَعيشُ في ضَبابِيَّةٍ عِلْمِيَّةٍ ،وَغَيْبُوبَةٍ تامَّةٍ عن حَقائِقِ الاشياءِ. وكانَ اسلافُنا يَهتَمُونَ برسمِ الحُدودِ وابرازٍ الفروقِ بين الالفاظِ والمُصطَلَحاتِ ، وقد اهتمَّ القَرافيُّ احدُ فقهاء المالكيّةٍ بهذا الامر فأَلف كتابه ( الفروق) .
العقلُ هو قُوَّةُ التَّمييزِ ، التي من خِلالِها نُدرِكُ التَّمايُزَ بينَ الاشياءِ . والعقلُ هذِهِ المَلَكَةُ التي من خلالها ندركُ الاشياء ، ونحكم على الاشياء على اختلاف الاراءِ في كونِ العقلِ مُدرِكاً للأشياءِ ام حاكِماً عليها ؟ فَذَهَبَ المُعتَزِلَةُ الى أَنَّ العقلَ مُدرِكٌ وحاكمٌ ، وقال الاشاعرةُ : ان العقلَ ليسَ مُدركاً ولاحاكِماً ، وقال: الماتُريدِّيّةُ : أَنَّهُ مُدرِكٌ لاحاكِمٌ .
الْعَقْلُ هوَ هذهِ المَلَكَةُ التي تُدْرِكُ الأشياءَ وتَحكمُ عليها ، والتي تدركُ الحُسْنَ والقُبْحَ في الاشياءِ . العقلُ ماعُبِدَ بهِ الرَّحمنُ واكتسبَ بهِ الجِنانُ . هذا العقلُ الخالِصُ غيرِ المتأثِرِ بالاحكامِ المُسبَقَةِ ، وغيرِ الخاضعِ لضغطِ الشهواتِ ، وغيرِ المتأثِرِ بالثقافاتِ ، هو الذي يقولُ: هذا حَسَنٌ ، وهذا قبيحٌ . هذا العقل واحدٌ لايتعارضُ مع الدين الواحد .
التَّضادُّ يَقَعُ بَينَ التَّدّيُّناتِ المُتَعددةِ والتعقلنات المتضاربةِ.
العَقلانيّةُ هي تعقلُن وليست عقلاً ، هي رُؤيّةٌ غربيّةٌ للعقل. وهي متعددةٌ وليست لوناً واحِداً . هذه التعقلنات المنفلتةُ هي التي تُضادُّ التَدَيُّناتِ المُشَوَّهَةِ ، امّا العقلُ الواحدُ فلايُضادُّ الدينَ الواحدَ .
احكامُ العقلِ واحكامُ التعقلُن
العقل الخالصُ يَحكمُ بقبحِ الشُّذوذِ ، ولايعترِفُ بكونهِ زواجاً ، ولايُدخِلُهُ في مفهومِ الحُرَّيَّةِ ولكنَّ التَعَقْلُناتِ المُعاصرةً ، لاترى فيه قُبْحاً ، بل تراهُ حُسناً ، وتراه حُريّةَ شخصِيَّةً . هنا التَّضادُّ ليسَ بينَ دينٍ وعقلٍ ، بل بينَ تعقلناتٍ مضادةٍ للدين.
البراغماتية حين تبرر اغتصابِ ثرواتِ الشعوب وافقارها من اجل ربح الرأسماليين الكبار ، هذا ليس عقلا وانما هو تعقلُنٌ براغماتيٌّ.
العَلمُ والدينُ ليسا مُتّضادّينِ
اوربا التي ثارت بوجهِ كنيستها ، وأَبرزت علمانيتها … في الحقيقةِ ، لم يكُنِ الصِّراعِ بينَ علمٍ ودينٍ بل كانَ بينَ تَعلمُنٍ وتّدَيُّنٍ ؛ لان العَلمانِيّةَ في واقِعِها لم تكن عِلماً بل كانت تعلمناً ولم تكنِ الكنيسةُ ديناً بل كانت تَدَيُّناً مغشوشاً .
العلم في مسارِهِ لهُ مراتبُ ، منها الفروض ، والنظريات والقوانين ، وكلها قابلةٌ للتبديلٍ والتعديلٍ والتحوير. هذه المراتب في مسارٍ العلمِ لاأُسميها علماً بل اطلقُ عليها “تعلمُنات” ولكن حين يصل العلمُ في مساره الى الحقيقة هنا يصل في مساره الى العلم . الحقيقة هي العلم وماقبلها تَعَلمُناتٌ في مسار العلم . فالعِلمُ (الحقيقة العلمية ) لايمكن ان يتصادم مع الدين الواحد ، بل المصادمةُ والتضادُّ بين تعلمناتٍ وتديناتٍ.
العلمُ والعقلُ والدينُ مصدرُهما واحد
لايوجد صراعٌ وتَضادٌّ بين العلمِ الواحدِ والعقلِ الواحدِ والدينِ الواحد ؛ لانَّ مصدرَ الثلاثةِ هو الله الواحد . الحقائقُ لاتتضادَّ ولاتتصارع ، انما تتصارع الاهواء والميول المختلفة .
وفي الختام : ان التضادَّ ليسَ بينَ دينٍ وعقلٍ وعلمٍ ، وانما هو بين تديناتٍ مختلفةٍ ، وتعقلناتٍ متباينةٍ ، وتعلمُناتٍ متغايرةٍ .
المصدر : https://dinpresse.net/?p=8064