أجمع المتدخلون في الندوة العلمية التي نظمتها حركة التوحيد والإصلاح، حول موضوع “الخطاب الدعوي الوسطي في غرب إفريقيا”، على ضرورة العمل من أجل التمكين للخطاب الدعوي الوسطي في منطقة غرب القارة السمراء ومواجهة كل مظاهر الغلو والتطرف التي تواجهها بلدان المنطقة، وذلك بتنسيق مع منتدى الوسطية بإفريقيا.
كما أبرز المشاركون في الندوة، التي احتضنتها العاصمة الرباط، اليوم الأحد 24 مارس الجاري، أن القارة الإفريقة تواجه تحديات كبرى تستهدف الإسلام والمسلمين ببلدان غرب القارة، حيث يسجل النشاط المتزايد للحملات التبشيرية المسيحية التي تستهدف الشعوب المسلمة، من خلال استغلال ظروف الفقر والحاجة التي يعانون من غيابها، في عمليات ترصد لها الدول الغربية مبالغ ضخمة لخدمة أجندتها.
الندوة التي اتخذ القائمون عليها قوله تعالى: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا” (سورة البقرة: 143)، شعارا يؤكد مركزية مفهوم الوسطية في عمل المنتدى، وكذا بسط والمفهوم ومناقشته بين ممثلي الجمعيات والهيئات المشاركة، بكل من المملكة المغربية، وموريتانيا، ومالي، والسنغال، وكودي فوار.
رئيس حركة التوحيد والإصلاح، المهندس محمد الحمداوي، الأمين العام لمنتدى الوسطية بإفريقيا، والذي تسلم رئاسته خلال الدورة الثالثة لهيئة رؤساء منتدى الوسطية بإفريقيا، التي عقدت أمس السبت، بالمقر المركزي للحركة، جدد تأكيده على أن المغرب يعيش صحوة متزايدة وإقبالا على التدين من مختلف شرائح المجتمع، يغلب عليها التوجه الوسطي المعتدل، “لا شك أن الفاعلين ومساهمة كثير من الجهات في هذا الاتجاه، ساهمت في أن يكون هذا الخيار هو الأغلب”.
وأضاف رئيس التوحيد والإصلاح في مداخلته خلال الندوة العلمية، أن هناك بعض حالات الغلو والتشدد موجودة في المغرب، فـ”الغلو والتشدد اللاديني وفي بعض الأحيان جرأة وتجرؤ على ثوابت هذا الدين وفي نفس الوقت هناك بعض الإتجاهات التي تحمل بعض أفكار الغلو والتشدد الديني”، مؤكدا أن التوجه العام وسطي مع قلة هذين التطرفين، مبينا أن الصحوة الإسلامية وكل العاملين في المجال الديني، “نسجل بارتياح أن التوجه العام هو توجه نحو مزيد من الالتزام، نحو مزيد من التصالح مع المرجعية الإسلامية، نحو مزيد من الإقبال على مظاهر التدين على مستوى مختلف الشرائح”.
كما أوضح الحمداوي، أن حركة التوحيد والإصلاح منذ تأسيسها جعلت مهمتها إقامة الدين وتجديد فهمه والعمل به، مؤكدا أن مستويات تنزيل هذا الفهم تشمل “الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة”، مبرزا أن منهج الحركة يركز على مفهوم الإسهام الذي تؤمن به “فكلما وجدت جهة طرفا فردا هيئة منظمة تعمل في هذا الاتجاه إلا واعتبرت من مسؤوليتها أن تتعاون معها.
ومن جهته، قال الشيخ، محمد الحسن الددو، رئيس جمعية المستقبل بموريتانيا والأمين العام السابق لمنتدى الوسطية بإفريقيا، إن القارة الإفريقية بحاجة ماسة لتضافر جهود الدعاة فيها وتوحيد صفوفهم في الدفاع عن الشعوب المسلمة والنهوض بأوضاعها، مؤكدا أن المنطقة تتعرض لكثير من الغزو الفكري والأخلاقي وغير ذلك، “فهذه القارة يركز عليها التنصير منذ وقت، وكذلك دخلها الآن المد المنحرف من التشيع الغالي وأيضا من القديانية والبهائية، بالإضافة إلى ما انتشر فيها من الغلو والتشدد في الدين”.
وأضاف الددو، أن هذه التحديات، تزيد من المسؤولية الملقاة على عاتق منتدى الوسطية بإفريقيا، هذا يتطلب تكثيف الجهد من أجل إرساء الوسطية التي دعا لها الرسول صلى الله عليه وسلم، مطالبا المسلمين بالتوحد في مواجهة المخططات الغربية التي تحاك ضدهم في المنطقة وشعوبها “هذا يزيد المسؤولية علينا ويقتضي منا أن نكون يدا واحدة كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
كما ناقشت الندوة في محور خاص، موضوع الآفاق الدعوية في إفريقيا، حيث تناولت المداخلة الأولى، التي قدمها حمادي سيدي المختار محمود، من موريتانيا، قدم فيها التأصيل الشرعي للوسطية، حيث ساق في مداخلته العديد من الآيات والأحاديث النبوية التي أكدت على منهج وخيار الوسطية في الإسلام، الذي اعتمده الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته ودعوته للإسلام.
هذا وساهم عضو المنتدى العالمي للوسطية، المفكر محمد طلابي، في مداخلة بالندوة، تناول فيها التأصيل الفكري للوسطية، والتي اعتبرها مفاهيم ينبغي على المسلمين استيعابها والتفكير من خلالها وإنتاج المعرفة، كما أوضح أن الوسطية تقابل عنده مفهوم التركيب أو التوليف، ممثلا “الكنيسة جاءت وكفرت العقل فهو تفريط، وجاءت الحداثة وقدست العقل وهو إفراط”، بينما الموقف الوسطي التركيبي لا إفراط ولا تفريط هو الموقف الإسلامي فـ”الإسلام لم يكفر العقل ولم يلغ العقل، ولكن لم يقدس العقل، بل كرم العقل” معتبرا ذلك أمرا تركيبيا أي وسطيا، محملا مسؤولية ظهور التطرف للغرب والحضارة الغربية التي يقف وراءها العقل الغربي المتطرف الذي يقود العالم.
ومن جهته، ساهم مولاي عمر بنحماد، النائب الأول لرئيس حركة التوحيد والإصلاح، بمداخلة في ذات المحور، بعنوان “أولويات العمل الدعوي بإفريقيا”، قدم فيها جملة من الإشارات التوجيهية للعمل الدعوي والأوليات التي ينبغي أن يركز عليها في خدمة الفكر الوسطي وإشاعته بإفريقيا، مؤكدا أن فقه الأوليات أصبح له حضور هام في الساحة الفكرية والعلمية بعدما كان ضامرا في تاريخنا، حيث طالب بنحماد، باعتماد الوسطية في التقدير والوسطية في التنزيل، من خلال البناء والاعتماد على المعايير الشرعية الصحيحة.
وتجدر الإشارة، إلى أن الندوة حضرتها العديد من الهيئات المهتمة بالشأن الديني، كالرابطة المحمدية للعلماء والمجلس العلمي الأعلى والمنتدى المغربي للوسطية والمنتدى العالمي للوسطية ومعهد الدراسات الإفريقية، بالإضافة إلى عدد من الفعاليات الدعوية ببلادنا.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=805