بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
وبعد؛ فقد تلقيت ببالغ الأسى نبأ وفاة الأستاذ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، والتي أعلنت السلطات السورية أنها كانت بسبب تفجير بمسجده الذي يلقي به دروسه…
وبغض النظر عن سبب الوفاة التي ما تزال بالنسبة لنا غامضة، فإنه لا يسعنا إلا الحسبلة والحوقلة لوفاة هذا العالم الذي كرس حياته لنشر العلم، والرد على الشبهات الطاعنة في الإسلام…
بالرغم من انتقاداتنا الكثيرة للشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، التي تمثلت ابتداء وانتهاء في بعض اختياراته الفقهية والأصولية التي نرى أنه جانب فيها الصواب، وموقفه من حزب البعث الاشتراكي العلماني، بل وموقفه الأخير من الثورة السورية، وتضامنه الكامل مع النظام، بل وتحريضه وإفتائه ضد الثوار في بلاد الشام…
تلك الملاحظات، والأخطاء الفظيعة التي ارتكبها، غير أننا نتيقن – بمعرفتنا لحاله ونشأته، وبيته – نجزم أنها إنما كانت منه بحسن نية، لا مشاكسة، ولا اتباعا للهوى، إنما لأمور تراءت له، واجتهاد أداه إلى ذلك ابتغاء – في نظره – حماية البلاد والعباد، وحقن الدماء، والحفاظ على ما كان يظنه آخر جدار للمقاومة ضد الإمبريالية العالمية والصهيونية، فهو لم يكن ينتفع بذلك – بحسب علمنا – ماديا، ولا نال بسببه وظائف في الدولة…بل اكتفى بالدعوة والإرشاد، ونشر العلم، والرد على الطاعنين في الدين، شب على ذلك وشاب، بحيث انتفع به آلاف كثيرة من الخلق…
بالرغم من كل ذلك؛ فإننا نرى أنه أصاب وأخطأ، خطأه كبير جدا، وصوابه كبير جدا، وليس على الله بمستعص أن يغمر خطاياه في بحر فضله وخالص نيته، قال تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102)…إلى قوله: وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم(106)}. قال ابن كثير: “ورحمته تغلب غضبه”..
وقال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)}…قال ابن عباس رضي الله عنهما: “هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ ورثهم الله تعالى كل كتاب أنزله، فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب”..
فنسأل الله تعالى أن يغفر له الزلات، ويرحمه ويتوب عليه، وعلى سائر الأمة المحمدية، ويرفع غضبه ومقته عنا بمنه وكرمه، وأسأله تعالى أن يخلف الأمة في مصيبتها خيرا منها…حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم…والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
وكتبه: الدكتور الشريف محمد حمزة بن محمد علي بن محمد المنتصر بالله الكتاني الحسني…
الرباط: 11جمادى الأولى 1434، الموافق 23 مارس 2013..
{jathumbnail off}
Source : https://dinpresse.net/?p=786