خديجة منصور
من الصعوبة بمكان تحديد ماهية الزمن. هل هو ماض ولى ولن يعود. ام حاضر يرخي بسدوله علينا.
بطبيعة الحال لا يمكننا الجزم اننا عشنا زمن التفاهة بكل عوارضه. أو ورثناه عن جيل ولى وانتهى. سنكون انانيين اذا حملنا وزر اعمالنا واخطائنا لسلفنا.
علما ان من سبقونا كانوا نخبة من العلماء والمفكرين والفلاسفة والمثقفين نهلوا العلم عبر ابجديات المعرفة الحقيقية وارتووا من ينابيع الحضارة الاسلامية والغربية مما افرزت ثورة ثقاقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى داخل مجتمعاتهم مما ساهمت في قفزة نوعية على المستوى الثقافي دوليا.
لذا لا يمكننا بجرة قلم ان نبخس اعمال ومجهودات هاته النخبة المثقفة. والتي ساهمت بنشر قيم المعرفة الثقافية. ولعل منجزاتهم ستظل مشروعا فكريا راسخا على مدى العصور سواء ثقافيا او سياسيا او اقتصاديا.
ولا غرو فيما وصلنا اليه اليوم يرجع الفضل بالدرجة الاولى الى عصارة الافكار والنظريات التي ساهموا فيها منذ زمن. بمعنى انهم كانوا يسبقون زمانهم بمئات السنين.
اذن هل يمكننا اليوم ان نعتبر مقولة المفكر السوسيولوجي محمد جسوس حين قال: “إنهم يريدون خلق جيل من الضباع” في محاولة لربط هذا التسلسل الزمني بين الماضي والحاضر، هل كان قصده جيل اليوم؟
ربما العالم السوسيولوجي نظر وأدرك لجيل غير جيله الذي عايشه، وقد يكون هو “جيل من زمن التفاهة”، هل نحن فعلا عايشنا زمن التفاهة؟
قد نتساءل اليوم أكثر من أي وقت مضى هل أصبحنا في عصر “ثقافة التفاهة”،ي حاول عدد كبير من التافهين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الالكترونية، نشر ثقافتهم المنحطة والقضاء على كل القيم النبيلة والأعمال الإبداعية والإنسانية، في محاولة منهم لمحاربة المبدعين والمثقفين ومحو كل ما هو جميل، مقابل نشر التفاهة.
أصبحنا نعيش في بيئة محاطة بمجموعة من التافهين ينتظرون فرصة الركوب على أمواج الأحداث في جميع المجالات ، ينظرون ويجادلون في الدين، السياسة، الفن، الثقافة جعلوا من أنفسهم محللين ومؤثرين مستلبين عقول الناس وصار للتفاهة عنوان بارز وشهرة واسعة حققها بعض التافهين من الشرق إلى الغرب.
ومما لا شك فيه أن بعض وسائل الإعلام ساهمت بشكل كبير في ظهور وبروز فئة من وجوه التفاهة، بهدف تصفية حسابات مع أشخاص أو جهات معينة، في سبيل البحث عن المال والشهرة والحصول على مناصب معينة.
في هذا الصدد، يقول الفيلسوف الكندي ألان دونو بكتابه “Mediocratie”، “نظام التفاهة”: “إن التافهين قد حسموا المعركة،جعلوا من التفاهة نظاما يفرض عليك أن تنخرط في اللعبة التي لا شأن فيها للاعتبارات الإنسانية، ولا لقيم ومثل ومبادئ ومفاهيم عليا، وصارت المصلحة الخاصة لأفراد وشركات والكل يتنافس على الإبداع والابتكار في التافهات، وأصبح التافهون اليوم يسيطرون على مجريات الكثير من الأمور في العالم…”. الفيلسوف ألان دونو يحسم الأمر ويقر بأن انتشار التفاهة في العالم له أبعاد سياسية ولصالح فئات معينة.
لكن ما يعيشه العالم اليوم قد يكون جوابا منطقيا وتحليلا نظريا وميدانيا لوضع نهاية حتمية لثقافة التفاهة، فإذا كان عصر النهضة العربي والغربي والثورة الفرنسية قادها مفكرون ومثقفون بهدف الارتقاء بالفكر وتصحيح الأفكار الخاطئة والمتعصبة في مقابل نشر ثقافة التسامح بين الإنسانية، فإنه اليوم تأكدنا أكثر من أي وقت مضى أن زمن التفاهة انتهى ولم يعد له مكان بيننا وأنه فيروس يصيب بعض المتملقين والجاهلين، ولمحاربته يجب إعادة الاعتبار للفكر،والقيم الأخلاقية وجعل الثقافة و العلم مضادات حيوية للعقل الانساني.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7652