الدكتور ادريس الكنبوري
8 مارس هو اليوم العالمي للمرأة، واحد من الأيام التي خصصت على الصعيد العالمي للاحتفال بقضية أو شيء، مثل يوم الشجرة، ويوم الطفل، وغير ذلك. لكن خلافا لجميع الأيام الأخرى التي لا يتكلم أصحابها بل يتكلم آخرون باسمهم، مثل الشجرة والطفل، فإن 8 مارس تتكلم فيه المرأة، ولكن الثلثين مما يقال ويكتب في هذا اليوم يأتي من … الرجل!!.
لكن الثقافة الرأسمالية التي حولت كل شيئ إلى سلعة وخلقت عالما من المفاهيم الوهمية استطاعت أن تقنع الناس بالاكاذيب، بسبب الإعلام الضاج القوي الكاسح. ثلاثة أرباع الإعلام الذي يتم استهلاكه هو إعلام الغرب الرأسمالي، ثلاثة أرباع الإنتاج السينمائي هو إنتاج الغرب الرأسمالي، مثل ذلك في الكتب وتقاليد الأكل والأزياء وحتى ألعاب الأطفال وبرامج الأطفال.
من أجل ذلك نحتفل بيوم الطفل بينما يموت الأطفال في إفريقيا وفلسطين واسيا في حروب صنعها الغرب الرأسمالي للدفاع عن مصالحه. نحتفل بيوم الشجرة بينما الرأسمالية تزحف على كل نابت لتحوله إلى اسمنت. نحتفل بيوم المرأة بينما المرأة اليوم هي المادة الثالثة للرأسمالية العالمية بعد المواد الخام واليد العاملة.
تعتقد المرأة في كل مكان أن مشكلتها مع الرجل، لأن الرأسمالية خلقت لديها هذا الوهم. لكن الرأسمالية ليست رجلا فقط بل رجل وامرأة. المرأة التي تملك ليست المرأة التي لا تملك. المرأة التي تمرض وتجد كل شيء متوفرا ليست المرأة التي تمرض فتبحث عما تبيعه من حلي فلا تجد. المرأة الخادم في بيت المرأة ربة البيت ليست مثل ربة البيت التي لها خادم أنثى…إلخ. لكن الرأسمالية صنعت وهما إسمه قضية المرأة، وعندما تتشرد أسرة كاملة فالقضية ليست قضية امرأة بل قضية أسرة وراءها مسؤولية دولة.
المسألة فلسفيا هي عزل المرأة لكي تتفرد بها الرأسمالية فتحولها إلى سلعة. لا تريد الرأسمالية أن يشاركها طرف آخر في استغلال المرأة، بل أن تستغلها هي فقط. إنه نفس منطق الاستعمار المعاصر الذي يرفع شعار التدخل الإنساني، وعندما يتدخل يستقر هناك.
الرأسمالية كلها قامت على المرأة. بعد الحرب العالمية الثانية وما تعرضت له أوروبا من خراب وموت ملايين الرجال كانت المرأة هي طاحونة الرأسمالية التي أعادت بناء الاقتصاد الرأسمالي. بعد ظهور اقتصاد الخدمات كانت المرأة هي الواجهة الرئيسية. بعد ظهور المجتمع الاستهلاكي كانت المرأة هي المادة الأساسية في الإشهار التجاري. بعد ظهور الحريات الجنسية وتجارة الجنس كانت المرأة هي التي يتم امتصاصها إلى أن تتحول إلى خرقة فترمى. في كل الحروب الغربية يكون أباطرة الجنس – العبودية الحديثة – في الانتظار لاقتناص الفرص وجمع الأسارى من الإماء لسرقتهن. يشتغل هؤلاء في أوروبا تحت ضوء النهار ويدفعون الرشاوى لزعماء الدولة. قبل أربع سنوات نشرت the economist البريطانية ملفا في الموضوع قالت فيه إن تجارة الجنس في أوروبا تدر أرباحا تفوق أرباح تجارة السلاح، وأن لا حكومة في أوروبا تستطيع المساس. بهذه التجارة.
الرأسمالية قوية وقاهرة، ولديها القدرة الخارقة على أن تجعلك تتضامن معها عن وعي وهي تجردك من ثيابك. لقد رسمت لنا مربعا محددا لنتحرك فيه باسم الحرية، ويمكنك أن تركض داخل المربع إلى نهايته ثم تعود كما تشاء، لكن ان حاولت القفز والتحرك خارج المربع فهناك المفاهيم القاتلة، ان كنت دولة فأنت دولة مارقة، أو كنت حزبا فأنت متطرف، أو كنت فردا فأنت إرهابي. لذلك نحن جميعا مختلفون، لكن داخل المربع.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7239