عبد الله الجباري
يتداول كثير من الطاعنين في الإسلام مقولات تراثية، أو أحاديث نبوية، بهدف تشويه صورة الإسلام بين أتباعه أو غيرهم، ولهم في ذلك جهود متكاثرة، وأغلوطات متواترة.
ومن بين الأحاديث التي يروجونها في هذا الصدد، حديث النبي صلى الله عليه وسلم واصفا المرأة بأنها ناقصة عقل ودين، ووقع تأثير هؤلاء على كثير من المتدينين، الذين سرعان ما اندفعوا واستعجلوا في الحكم على الحديث بأنه ضعيف أو مكذوب على النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، بهدف تبرئة ساحة الإسلام من وصف لا يليق ولا يتناسب مع واقع الحداثة وصدمتها، حيث يرى ذلك المُضَعِّفُ المرأة وهي تقود الطائرات والسفن، وتؤسس المخابر العلمية، وتحاضر في كبرى الجامعات العالمية، وتسير وزارات كبرى، بل تقود دولا وتسوس أحوالها، فكيف تكون هذه المرأة ناقصة عقل وهي تقوم بهذا وبغيره؟
لذا، حكموا بأن الحديث مخالف للواقع، وما كان مخالفا للواقع لا يُمكن أن يُنسَب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه حتما من المكذوب لا غير.
وقبل بيان الحديث وألفاظه، أود أن أبين درجته أولا، فهو حديث صحيح، بل حاز أعلى درجات الصحة، وقد اتفق عليه إماما الصناعة الحديثية وأخرجاه في كتابيهما الحائزين على أعلى درجات القبول عند علماء الإسلام، وهما الجامع الصحيح للإمام البخاري، والجامع الصحيح للإمام مسلم، عليهما الرحمةوالرضوان.
أما متن الحديث وسياقه، فهو حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المصلى ذات عيد، خطب في عموم الناس فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: ( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ) فَقُلْنَ : وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: ( تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِير مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ ) قُلْنَ : وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ( أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ ) قُلْنَ: بَلَى ، قَالَ : ( فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ ) قُلْنَ: بَلَى ، قَالَ : ( فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا ) رواه البخاري 304
من خلال هذا النص، يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث مع النساء عن النساء بأنهن:
1 – أكثر أهل النار.
2 – ناقصات عقل.
3 – ناقصات دين.
وكل وصف من هذا الثلاثية لا يستفاد منه تنقيص المرأة أو تحقيرها كما يظهر لقارئ النص بعد التحقيق والتبين.
وقبل ذلك، أبيّن أن كثيرا من علماء المسلمين تعاملوا مع هذا الحديث بسطحية لا تليق بمكانتهم العلمية، ورددوا مقولات غير دقيقة، وبنوا عليه معرفة غير سديدة، منها استدلالهم به على أن الرجل أفضل من المرأة، مع أن المفاضلة في الشريعة الإسلامية لا تنبني على معيار الجنس من ذكورة أو أنوثة، بل تتأسس على معيار التقوى والدين لا غير، “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، وهو ما أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع، “ألالافضل لعربي على عجمي،ولالعجمي على عربي،ولاأحمرعلى أسود،ولاأسودعلى أحمر،إلابالتقوى”.
النساء أكثر أهل النار:
نصّ الحديث النبوي الشريف في بدايته على أن النساء أكثر أهل النار عددا، وهذا من المعارف الغيبية التي أُعلِم بها النبي صلى الله عليه وسلم، وليس للفكر والنظر فيها مدخل، وهذا ليس تنقيصا من قدر المرأة أو إلصاق وصف سيء بها وصفَ ملازمةٍ، ولو كان كل النساء من أهل النار، أو لا يدخل النار إلا النساء، لكان لهن تنقيصا ما بعده تنقيص.
أما أن أكثر أهل النار هم من النساء، فيفرض علينا أن نسائل من يتكئ على هذا الحديث لتشويه الدين ومناقشته بمنطق إحصائي كمي.
إذا كان يرفض هذا الحديث، فما هو السائغ عنده؟
لم يبق لنا إلا أحد احتمالين:
الأول: أن يكون عدد الرجال أكثر أهل النار.
الثاني: أن يكون أهل النار بالتساوي بين الجنسين.
والاحتمال الثاني يعتمد منطق المناصفة، وهنا سيكون الجزاء الأخروي مبنيا على الجنس لا على العمل. وهذا باطل.
والاحتمال الأول لو ذُكر في الحديث، للقي من المعارضة والتشويه ما لقيه حديثنا هذا، لأن الرجال والرجاليات سيستنكرونه أيضا.
من هنا تتبين عبثية هذه المناقشات من الأصل.
وتبقى النار –أعاذنا الله منها- مستقرا للرجال وللنساء على السواء، والنساء وإن كن أكثر عددا، يبقى لنا أن نتساءل عن تلك الكثرة، وهي قد تكون بنسبة ضئيلة، والبشرية اليوم تسمي في الانتخابات خمسين بالمائة زائد واحد أكثرية، فإذا زاد عدد النساء عن عدد نظرائهن من الرجال هناك بنسبة قليلة، كخمسة بالمائة أو أقل، فإن هذا لا يخدش من المناصفة شيئا، فليهنأن بشركائهن في النار.
وأصحاب هذه النظرة لا ينظرون من العملة إلا وجها واحدا، ولو قلبوها لوجدوا أعظم وأخطر، والنصوص النبوية الشريفة نفسها حين تريد إظهار “أخطر المجرمين” من سكان النار، لا تذكر أحدا من النساء، ولا تشير إلى إحداهن، وإنما تقتصر على الأمثلة الرجالية، مثل من لا يحافظ على الصلاة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يحذره أبلغ تحذير، وأن يبين له أسوأ مقام مع أقبح أصحاب، فلم يجد له مثلا تقريبيا إلا بالرجال، من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف ولو اتبعنا منطق الذين فضلوا الرجال على النساء بناء على الحديث السابق، لزم أن نفضل النساء على الرجال بناء على هذا الحديث، لأن الرجال هم مضرب المثل بأصحاب النار، ويبقى السؤال: لماذا لم يتسابق الرجاليون والرجاليات لتضعيف هذا الحديث لما فيه من تنقيص للرجال؟
خلاصة القول وزبدته، الرجال هم قادة ورموز النار، والنساء هم أكثرية أهل النار، فوقعت المناصفة بين الكم والنوع، أعاذ الله رجالنا ونساءنا، أبناءنا وبناتنا، من النار.
النساء ناقصات:
الوصف بالنقص يفرض علينا البحث عن كنهه ومعناه، فما معنى النقص؟ وهل النقص علامة تحقير وأمارته؟
النقص هو ضد الكمال. هذا لا يختلف فيه اثنان.
والأصل في الإنسان أنه ليس كاملا، وهو بالنقص موصوف، ولو كان عند الإنسان نقصٌ واحد لكان له فخرا، فكيف وهو الموصوف بنقصٍ ونقصين ونقائص؟
الإنسان ناسٍ، جهول، عجول، كذوب، أكثر شيء جدلا، …، وواحدة من هذه نقص وأيُّ نقص، ومَن مِن الناس يبرأ من هذه الصفات النقائص؟.
وخالقُ الإنسان هو الأعلم بالإنسان وخباياه ونقائصه، وهو الذي وصفه بهذه الأوصاف، وفي الآن نفسه، وصفه بأنه مُكَرّم، “ولقد كرمنا بني آدم”. فتبين أن الوصف بالنقص لا يستلزم التحقير، لأن النقص والتكريم يجتمعان ولا يتناقضان. ولو كان النقص تحقيرا لما اجتمع مع التكريم.
ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النساء أنهن ناقصات، فإنه ليس تحقيرا لهن، وليس تبخيسا لمكانتهن، وبعبارة أخرى، فإن وصفه لهن بالنقص وصفٌ كاشفٌ، وليس وصفا منشئا حسب عبارة الفقهاء ورجال القانون.
ناقصات عقل:
بما أن الإنسان –رجلا وامرأة- موصوف بالنقص، فإن لكل واحد مكامن نقصه، فنجد للمرأة نقصا، ونجد للأخرى نقصا آخر، وهكذا، لكن، هناك قواسم مشتركة بينهن، وهو ما عبّر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بالعقل والدين.
فما مفهوم العقل ومعناه؟
يستنكر كثير من المتسرعين هذه الجملة النبوية الشريفة، أما نحن فنتبرك بها كما نتبرك بجميع ألفاظه وكلماته صلى الله عليه وسلم.
يستنكرون هذه العبارة لأن معناها كما يتوهمون أن المرأة ناقصة من حيث القدرات العقلية في التفكير والتدبير والتسيير، ويضربون الأمثلة بالملكة بلقيس، وبالمرأة الحديدية البريطانية مارغريت تاتشر، وبرائدة ألمانيا المعاصرة أنجيلا ميركل، وغيرهن وغيرهن من رائدات العلم والتكنولوجيا والفيزياء والرياضيات والطب والصناعة والتجارة.
هذا تحقيق مناط الاستنكار والاستنفار، وهو مبني على جرف هار، لأن القوم ليس لهم على البحث والمعرفة اصطبار.
(العقل) في اللسان العربي الأصيل لا يعني هذا الذي يعنون، بل له معنى أصيل، وما هذا إلا فرع عنه ولازم من لوازمه.
العقل في اللغة العربية هو المنع، عقلت البعير، أي جمعت قوائمه ومنعته من المسير. ومنه سميت الدية عقلا، لأنها كانت تُقَدّم إبلا، وكانت تُعقَلُ في فناء ولي المقتول. وبنو العمومة الذين يتعاونون في جمع الدية يسمون “العاقلة”، ومنه كلمة “الاعتقال” و”المعتقل”.
وسمي العقل عقلا لأنه يمنع صاحبه مما لا يليق بالإنسان، وينهاه عن اقتراف القبيح من الأفعال، لذلك يسمى أصحاب العقول بأولي النُّهى، جمع نهية.
ولما كان العقل من الإنسان، لزم أن يكون ناقصا لنقص الإنسان ذاته، ولا وجود لإنسان بلغ درجة الكمال العقلي إلا المسَدّدون من الأنبياء والرسل، ثم القلائل فالقلائل.
وإذا كان الأصل في عقل الإنسان أنه ناقص، كان الناس في النقص متفاوتون، بعضهم أنقص من بعض، وأسباب نقص العقل متعددةفي الاستعمال العربي، منها الخمر والحب والجوع الشديد، والأكل الكثير، والإعجاب، والدهشة، والطيش وعدم الانتباه إلى عواقب الأمور، لذا نجد عندهم عبارات مثل: “ذهاب العقل بالسُّكر”، “ذهاب العقل من الجوع”، “البطنة تذهب الفطنة”، وعرّفوا الطيش بـ”خفة العقل”، والمشدوه بـ”ذاهب العقل”، والمتيّم بـ”المضلل ذاهب العقل”، ومنه سمي حبيب ليلى بالمجنون، وهو أبعد الناس عن الجنون.
ونقصان العقل هنا بمعنى نقصان “المنع” و”النهي”، بمعنى أن الإنسان تمنعه وتنهاه ملَكة من ملكاته -التي سميناها عقلا- عن القيام بمجموعة من التصرفات، لكنه قد يضعف بسبب من الأسباب، فيقوم بما ينهى عنه العقل الحازم، فيكون حينئذ ناقص العقل.
وبيّنا أن أسباب نقصان “المنع” أو نقصان “العقل” متعددة، منها الجوع والحب وغيرهما، ومنها أيضا “العاطفة”.
و”العاطفة” من المشترك بين الرجال والنساء، وقد يكون آحاد الرجال أكثر عاطفةً من آحاد النساء، لكن النساء عموما أكثر عاطفةً من الرجال، ولا تُنقَضُ هذه الكلية بالاستثناءات القليلة.
وكثير من الناس قد يضعفون بسبب العاطفة، ويقومون بما لا يقوم به العاقل اليقظ الذي لم يخضع لها في تلك اللحظة، ومنه نقول بأن النساء ناقصات عقل بسبب العاطفة.
و”التهور” من المشترك بين الرجال والنساء، وقد تكون آحاد النساء أكثر تهورا من آحاد الرجال، لكن الرجال عموما أكثر تهورا من النساء، فيقومون بأعمال غالبا ما يندمون على القيام بها بعد الصحو من سكرة التهور، لذا كان التهور سببا لتواري العقل أو ذهابه في تلك اللحظة، ومنه نقول بأن الرجال ناقصو عقل بسبب التهور.
بعد هذه المقدمة التي تبين من خلالها أن النقص ليس عيبا أو تحقيرا، وأن النساء ناقصات عقل، وأن الرجال مثلهن في ذلك، وليسوا أهل كمال، وجب أن نرجع إلى متن الحديث لنتبين سبب نقصان عقل المرأة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ”. هذه عبارة الحديث، ولم تتبعها حملة استنكار الصحابيات، ولم تقع حركة ردة نسائية مضادة، لأنهن بذوقهن العربي الأصيل، فهِمن من هذا الأسلوب مدحا لا قدحا.
النص يتحدث ويوازن بين عموم النساء وبين آحاد الرجال، ولا يوازن بين كل النساء وكل الرجال، وهذا ما لم يتفطن له الكثير من قراء الحديث، ولو قال: “مارأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجال من إحداكن”، لكانت الموازنة سليمة سائغة. ولو استعمل النبي صلى الله عليه وسلم كلمة “الرجل” لوحدها لقلنا بأنها تفيد العموم والاستغراق، أمَا وأنه وصفه بـ”الحازم”، فتبين أنه لا يقصد العموم، لأن الوصف تخصيص وتقييد.
ولو قلت لإنسان: أنت كامل الحزم، وتتفوق على كامل مثلك، لما كان في العبارة مدح بليغ.
ولو قلت لإنسان: أنت كامل الحزم، وتتفوق على ناقص الحزم، لكان في العبارة سخافة وعبث.
ولو قلت لإنسان: أنت ناقص الحزم، ورغم ذلك تفوقتَ على كامل الحزم، فإننا نفهم من العبارة مدحا لذلك المتفوق، لأنه كان ناقصا في جانب الحزم، لكنه كان قويا في جوانب أخرى، كالحيلة وغيرها، جعلته يُخضع الأقوى منه ويتفوق عليه.
ونظير ذلك أنه لو انتصرت أمريكا على الفيتنام لما كان هذا سببا لفخرها، أما أن تنتصر الفيتنام على أمريكا، فهذا فخر وأي فخر.
والحديث لا يذم النساء بقدر ما يمدحهن، ويشير إلى قدراتهن الفائقة التي يستعملنها لإخضاع الرجال الموصوفين بالحزم، والذين قد يكون لهم شأن في المعارك والمبارزات، والسفر وما فيه من الأهوال والصعوبات.
ولما عرفت النساء أنهن لم يتعرضن لحملة تحقير وذم، كما توهمها المعاصرون من ضحايا الرطانة الفكرية والعجمة اللغوية، سألن الرسول صلى الله عليه وسلم عن نقصهن سؤال استفهام لا سؤال إنكار: “ومانقصان ديننا وعقلنا يارسولا لله؟”. فأجابهن: “أليس شهادة المرأةمثل نصف شهادة الرجل؟قلن: بلى،قال: فذلك من نقصان عقلها”.
لنركز على الجملة الأخيرة، “فذلك من نقصان عقلها”، حيث استعمل “من” التي تفيد التبعيض، يعني أن للمرأة أسبابا وتجليات متعددة لنقصان عقلها، وما شهادتها مثل نصف شهادة الرجل إلا واحد من تلك التجليات، وهذا حكم شرعي إلهي، نقبله تعبدا وتقربا، ولا نرفضه تمردا وعنادا. وقد نفهم مسوغاته وعلله، وقد لا ندركها، ومنها ما قد يرجع إلى ما أشرنا إليه من نقص عموم النساء في مجالات الحزم وعموم الصعاب.
وكما أن المرأة وُصفت بالنقص هنا، فإنها وصفت بالكمال في مجالات أخرى، ووُصف الرجل بالنقص مقارنة معها، ولم يضجر ولم يستنكر، مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأم/المرأة: “للهأرحمبعبادهمنهذهبولدها”، فارتقت المرأة إلى مرتبة ضرب المثل في صفة من الصفات، فذلك أمارة من أمارات الكمال فيها، وهل ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل بالرجل في صفة الرحمة، وهي من أعظم الصفات وأجلّها؟
ناقصات دين:
أما وصفها بأنها ناقصة دين، فليس معناه أن النساء أقل من الرجال من حيث الإيمان أو التعبد، أو الأجر والثواب. ويكفي أن ندرك أن أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم امرأة، وأول من آزره وشد عضده امرأة، وأول شهداء الإسلام امرأة، ومنهن من هاجرت في سبيل الله إلى الحبشة، ومنهن من هاجرت في سبيل الله إلى المدينة، ومنهن من شاركت في أصعب لحظات المعارك دفاعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفداء له.
وللنساء أعمال وأحوال يحصلن بموجبها على الأجر الجزيل، وبسببها تُكفر كثير من الذنوب، مثل الحمل وصعوباته، والوضع وشدته وآلامه، والرضاع والقيام بشؤون الأطفال صغيرها وكبيرها، وبهذه الأمور وغيرها تتفوق المرأة على الرجل في سلم الحسنات، ويحصلن على ما لم يحصل عليه الرجال.
لكن، ومع ذلك، فإنها في جزئية من الجزئيات الدينية أنقص من الرجل، فهو يصوم كل أيام رمضان، وهي قد تفطر فيه دون إثم أو ذنب، لكن الرجل الصائم يكون في جو روحاني أعظم من حال المرأة المفطرة، لهذا كان أكمل منها في هذه الجزئية دون سواها.
وكذلك الأمر بالنسبة للصلاة، فإن الرجل يصلي ويحصل له من الخشوع والقرب من الله ما لا يحصل للمرأة أيام حيضها، لذا كانت أنقص منه في هذه الجزئية أيضا.
وبما أن نقص المرأة ارتبط بهذه الجزئيات المؤقتة، فإنها تتساوى مع الرجل بعد بلوغ سن اليأس، فتصلي كما يصلي، وتصوم كما يصوم.
والمرأة إن كانت ناقصة دين، فهل يعني هذا أن الرجل كامل الدين؟
هذا لم يقله الحديث، ولا يُفهم منه إلا إن تعسفنا في التأويل، وتمحلنا في التفسير، فللرجل نقائص أيضا، منها الغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور وغيرها مما ينقص من دين المرء ولا يُعصَم منه الرجال.
الإنسان الكامل:
النقص طبيعة بشرية، والكمال عزيز ونادر، وإذا ما راض الإنسان نفسه ووصل بها إلى درجة الكمال في جانب، فإنه قد لا يُوَفّق للوصول بها إلى درجة الكمال المطلق.
وبما أن لكل قاعدة استثناء، فإن بعض الرجال والنساء وصلوا إلى درجة الكمال البشري، منهم الأنبياء عليهم السلام، ومنهم السيدة خديجة بنت خويلد، كاملة العقل، ثابتة الفؤاد، عظيمة السجايا، داعمة الرسول في أشد اللحظات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” (أفضَلُ نساءِ أهلِ الجنَّةِ خديجةُ بنتُ خويلدٍ وفاطمةُ بنتُ مُحمَّدٍ ومريمُ بنتُ عِمرانَ وآسيةُ بنتُ مُزاحِمٍ امرأةُ فِرعونَ)”، وقال أيضا: ” كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ: إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ”، والكمال في الرجال أكثر من النساء، لأن فيهم الأنبياء وليس فيهن على أرجح الأقوال.ويضاف إلى رموز الكمال النسائي زوج إبراهيم عليه السلام، وأم موسى عليه السلام. وهذا الكمال ما هو إلا استثناء من الأصل الذي هو النقصان.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7224