التعليم عندنا: بين مطرقة العصا الغليظة وسندان حقوق الطفل

محمد علي لعموري
آراء ومواقف
محمد علي لعموري6 فبراير 2020آخر تحديث : الخميس 6 فبراير 2020 - 7:41 صباحًا
التعليم عندنا: بين مطرقة العصا الغليظة وسندان حقوق الطفل

محمد علي لعموري
تفاعلا مع تداعيات حادث تعرض تلميذة-طفلة للضرب من طرف أستاذها ، وتعرض هذا الأخير للإعتقال ، والحكم عليه بالسجن ، وانقسام الرأي العام ومنه أسرة التعليم إلى فسطاطين: فسطاط أدان وشجب الحكم الذي تعرض له الأستاذ خاصة بعد إنكاره لفعل الضرب ، وفسطاط المدافعين عن الطفولة وعن حقوق الإنسان وعن الأسلوب الذي ينبغي أن يسلكه رجل التعليم بعيدا عن منطق العنف في توجيه رسالته التعليمية.

بداية دعوني أتألم لحال تلك الطفلة المسكينة التي تعرضت للعنف إذ تبدو من خلال الصورة التي تداولتها مواقع التواصل الإجتماعي أنها أصيبت في عينيها بكدمات نتج عنها انتفاخ العينين وتورمهما !!

دعوني وأنا أضع نفسي مكان الطفلة وأتمثل حال نفسيتها وهي تكابد عنفا مورس عليها سواء جاء من جهة الأستاذ أو من جهة الوالدين..

هل هذا هو الأسلوب التربوي الذي نود من خلاله تحبيب الطفل-التلميذ في العلم ؟

هل التعليم يستدعي كل هذه الفظاظة ويبرر كل هذا الحجم من العنف حتى لو كانت الطفلة قد تجاوزت حدود الإستهتار واللامبالاة بموادها التي تدرسها ؟

لقد تألم قلبي وهو يتعاطف مع تلك الطفلة التي ما هي إلا شجرة تغطي غابة من العنف والعنف المضاد الذي أصبح ثقافة مشاعة داخل المؤسسات التعليمية ، في زمن التحولات في المفاهيم الديداكتيكية والمناهج التربوية والمقاربات البيداغوجية في زمن العولمة والمعلوماتية والرقمنة والإنفتاح على تجارب الآخر المنحدر من دول الجوار من جهة الشمال بالحوض المتوسط..

لا نزكي التساهل مع تعنيف الأطفال في المدارس ، فتلك مقاربة تطويعية تسلطية عفا عليها الزمن ، كما لا نزكي التطاول على المعلم الذي كان حتى حدود الأمس القريب الأب الثاني والروحي للتلميذ ، والمثل الأعلى والنموذج المحتدى..

لقد كان الطفل لما لا يجد في البيت صورة فضلى للنموذج المثالي ، يجده في شخصية الأستاذ الذي يقدم نفسه لتلامذته كمعلم وكعراب للتربية والتوجيه داخل المؤسسات التعليمية ، حتى أننا ونحن أطفال كنا لا نود من حصة ما عند معلم أو أستاذ لمادة محبوبة يشرف على تلقينها بأسلوبه الذكي وبحب كبير ، أن تنتهي أو أن يضرب الجرس ملعنا نهاية الحصة. وفي نهاية السنة ، بقدر فرحنا بمجيء العطلة الكبرى ، بقدر ما كان ينتابنا حزن دفين على أننا قد لا نعود لندرس عند نفس الأستاذ العام المقبل.

مرت مياه كثيرة تحت الجسر ، أصبح فيها الأستاذ المثالي النموذجي عملة نادرة داخل منظومة نخرها منطق الربحية ، وأصبحت المؤسسات التعليمية العمومية مجرد بنايات بكراسي يزدحم داخل فصولها عشرات من التلاميذ أشبه بالسجن أوحضيرة للمواشي أو هي أقرب ، بينما تحلب المدارس والمعاهد الخاصة أولياء الأمور كما تحلب البقرة الحلوب من طرف رب القطيع.

وما بين تعليم خاص يلهث خلف الربحية ، وتعليم عمومي يحتضر ويتصرف رجال التعليم داخله كموظفين برواتب دون ترجمة لمعنى التعليم الحقيقي ليكون سبيل نجاح التلميذ في مساره التعليمي ، تضيع فرص كثيرة كان من الممكن خلالها بناء جيل متفوق من الخريجين القادرين على فهم الحياة بعد تشربهم لأسباب المعرفة وتسلحهم بالعلم ، وذلك من أجل تمكنهم من النجاح في حياتهم العملية.

نعود لنقول بخصوص واقعة تعنيف الطفلة من مدينة تارودانت ، أن تبخيس دور المعلم أو الأستاذ ، والإستهانة بمكانته في المنظومة التعليمية ، وجره للمحاكمات وسجنه والإعتداء عليه أمام أنظار التلاميذ من طرف أولياء الأمور ، وتجريده من سلطته في سياق سوسيو-ثقافي لما يتأهل الشباب المغربي فيه بعد لفهم حدود الحرية والتلازم الطردي ما بين حقوقه وواجباته كتلميذ داخل المدرسة وداخل الفصل..سيفرغ مفهوم ” الأستاذية ” من مفهومها التربوي والتثقيفي والتوجيهي ، ويفتح بابا من الفوضى والتسيب واللامبالاة من طرف التلاميذ ، مما سيفرغ التعليم من قيمتيه التعليمية والتربوية.

إن التنمية ببلادنا تحتاج إلى تنمية الوعي بالمواطنة الأصيلة التي تتربى الأجيال على قيمها داخل المدرسة ، وهذا لن يتأتى إلا في ظل وجود تعليم عصري يعزز مركزية الأستاذ في استراتيجية النهوض بوضعية التعليم ببلادنا ، مع تطوير مناهج التربية والتعليم لتواكب التقدم في هذا الباب ، وأساليب التثقيف العصرية بعيدا عن منطق العصا والجزرة ، وقريبا من فلسفة : كاد المعلم أن يكون رسولا.

وهذان الخطان المتوازيان والمتكاملان تعززهما الأم كمدرسة كما قال الشاعر حافظ إبراهيم ، وتعضدهما الأخلاق التي ينشأ على قيمها الطفل منذ النشأة الأولى.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.