الكاثوليكية الفرنسية وإعادة البعث

عمر العمري
2020-01-01T11:08:26+01:00
featuredصحافة وإعلام
عمر العمري1 يناير 2020آخر تحديث : الأربعاء 1 يناير 2020 - 11:08 صباحًا
الكاثوليكية الفرنسية وإعادة البعث

hiba  - دين بريسهبة عرام
تسعى الكنيسة الفرنسية إلى استعادة ثقة مُخْلصيها في 2020 بعد سنة معتمة لوثت صفحاتها فضائح الاعتداء الجنسي وحريق كاتدرائية نوتردام.

وبدت الكاثوليكية الفرنسية مطأطأة الرأس بعد اجتيازها لسنة “فظيعة” (annus horribilis)، هي الأشدّ إرهاقا لها منذ عقود، إذ ترزح هذه الأخيرة تحت وطأة فضائح الاعتداء الجنسي، الذي شهدته جدران الكنيسة، وأيضا ألم حريق كاتدرائية “نوتردام”.

لقد ولّدت كارثة “نوتردام”، دون شك، حماسا شعبيا لم يكن في الحسبان؛ ولكن هل ينبئ هذا البصيص من الأمل، الذي يكشف عن استمرار واقع مسيحي، عن وجود مستقبل للكاثوليكية بفرنسا، أم أنه يضيء عتمة ما تبقى منها؟

على إثر هذه الأحداث، قامت جريدة “لو فيغارو” بطرح هذا السؤال على عدد من المفكرين الأكفاء، الذين سبق أن كتبوا في هذا الموضوع خلال سنة 2019.

يقول “تيبو كولين”، أستاذ فلسفة مساعد وكاتب، إن أثر حريق “نوتردام” الهائل على الفرنسيين لا يعني أنهم استعادوا إيمانهم بقدر ما يدل على “تراثية” الكاثوليكية الفرنسية التي تمهد لموجة تبشير جديدة. فيما وافقه “يان ريزون دي كلوزيو” الرأي بأن الكاثوليكيين تمكنوا من نفض الإحساس بالذنب عنهم بعد أن وجدوا أنفسهم محط مواساة الأمة، ولكنه يدعو مع ذلك لعدم إساءة فهم الحداد الذي أقيم على حريق الكاتدرائية، إذ أن كل تلك الأعداد إنما تشير إلى تراجع شعبية الكاثوليكية.

كما يذهب عديد من علماء الاجتماع ـ ذائعي الصيت ـ إلى نفس الطرح، منهم “جيروم فوركي”، كاتب المقالة المميزة هذه السنة والمعنونة بـ “الأرخبيل الفرنسي”، الذي يرى أن صدى كارثة “نوتردام” يدل على أن جذور المسيحية بفرنسا لم تعد تجد ما يغذيها مع تراجع عدد الذين يُعمَّدون، بينما يذهب “أوليفيي روي” إلى أبعد من ذلك، معتبرا أن الدولة والمجتمع يرفعان من شأن الجانب الثقافي المحض للمسيحية على حساب الإيمان والقيم، لينتهي “هيرفي لو بغا”، أخصائي ديموغرافي، إلى التساؤل عما إذا كان انهيار صحن الكاتدرائية يعد تجسيدا للإخفاقات الروحانية للكنيسة.

“تظل الكاثوليكية موضع احترام داخل المجتمع الفرنسي على الرغم من تمثيلها للأقلية، ولتحافظ الكنيسة على هذا الاحترام، عليها هي الأخرى أن تحترم الأفراد، والقوانين، والمبادئ العامة.” هكذا يقول المؤرخ “دينيس بيليتيي”.

وتأتي آراء أخرى حاملة آمالا للكنيسة بالتطهر من ذنوبها وإعادة إثبات مصداقيتها، إلا أن البعض يرى أن تحقيق ذلك يستلزم وقتا، وأن كل بعث يسبقه اندثار، كما يرى مثلا “جون لويس شليغيل” أن الماضي يحمل في جعبته دروسا عديدة.

ويذهب المؤرخ “غيوم كوشي” إلى أن الكاثوليكية تستمر في كونها الديانة الأولى بفرنسا، وأن ما أجج مشاعر الناس خلال حريق كاتدرائية نوتردام ليس فقدان تراث فحسب، وإنما ينبع من ارتباط روحي وثيق يمكن تتبعه عبر التاريخ، وإن اقتفينا أثر هذا الأخير، فإننا سنجد أن حال الكنيسة دائما لم يكن سيئا، ولكن رجالا ونساء أحرارا، لم تخلدهم صفحات التاريخ، قاموا باستيفاء واجباتهم عبر الزمن.

إن حريق كاتدرائية نوتردام، حسب رأي “باتريك كيشيشيان”، يعبر عن ضعف وسرعة زوال كل ما هو من صنع الإنسان، ولكن التأمل، يقول الفيلسوف “فيليب كابيل-دومون”، يأخذ قوته من قدرتنا على إعادة بناء ما دُمر وتضميد ما جُرح.

وتخلص آراء المفكرين إلى أنه “سواء تعلق الأمر بالكاتدرائية أو بالفضائح، فإن الكنيسة الكاثوليكية لا شك تمر بوقت عصيب على المستوى الدولي، ولكن ما وقع يحمل حتما نفعا في طياته”.
مترجم عن “لوفيغارو”

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.