لماذا أخفت “المصلي” جهود حزبها في مناهضة حقوق النساء؟

سعيد الكحل
آراء ومواقف
سعيد الكحل9 ديسمبر 2019آخر تحديث : الإثنين 9 ديسمبر 2019 - 9:53 صباحًا
لماذا أخفت “المصلي” جهود حزبها في مناهضة حقوق النساء؟

سعيد الكحل
خلال زيارة الوزيرة جميلة المصلي إلى رواندا، بتاريخ 26 نونبر 2019، للمشاركة في القمة العالمية حول النوع الاجتماعي بكيغالي، حملت معها لائحة من المكتسبات النسائية عساها تفاخر بها أمام بقية الحكومات الإفريقية والدولية. جميل أن تستعرض السيدة الوزيرة جهود المغرب في النهوض بحقوق وأوضاع النساء بفضل النضالات الدائمة للحركة النسائية والحقوقية، لكن يحق لنا مساءلة معاليها حول مدى مساهمة حزبها في تحقيق تلك المكتسبات وأية سياسة ينهجها الحزب لأجرأة ودعم الحقوق والمطالب النسائية؟ والسيدة الوزيرة، وهي تتباحث مع المسؤولات الروانديات وعلى رأسهن رئيسة مجلس النواب السيدة دوناتيل موكابليسا، هل دار في خلدها أو ساورها الشعور بالحرج في حالة استفسرتها المسؤولة حول ما إذا كان حزبها يؤمن بالمساواة والمناصفة ويعمل على تنفيذهما؟ طبعا لن تفعل السيدة الوزيرة ولن تشعر بالحرج لأنها لا تؤمن بهذه المبادئ ولا تسعى لتطبيقها.

ففي الوقت الذي كان فيه حزب العدالة والتنمية يخوض معركته ضد مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية، وكانت السيدة “المصلي” منخرطة بفعالية في الصراع الذي تفجر بداية سنة 2000 وشاركت بحماسة في مسيرة 12 مارس بالدار البيضاء ضد مشروع الخطة، كانت رواندا تلملم جراح الحرب الأهلية وتتلمس طريقها نحو المصالحة وبناء الدولة الديمقراطية. مساران متباينان انعكسا على وضعية النساء وحقوقهن في البلدين. لهذا بدت المعطيات التي قدمتها السيدة الوزيرة لرئيسة البرلمان الرواندي غاية في التواضع ومراكمة الانتكاسات. فبعد أن كانت مشاركة المرأة في حكومة عباس الفاسي بسبعة مناصب صارت مع حكومة حزب الوزيرة مشاركة رمزية بحقيبة واحدة. بينما استطاعت رواندا أن تحقق مكاسب جد مهمة لفائدة المرأة؛ إذ في سنة 2008 تمكنت من دخول التاريخ بانتخاب أول مجلس تشريعي تمثل فيه النساء نسبة 64% من أعضائه، أي ما يقارب ثلثي المقاعد( 51) من بين 80 مقعدا في البرلمان. رواندا هاته بات نصف القضاة في محاكمها العليا نساء. أمام هذه الديناميكية التي يعرفها المجتمع الرواندي، تحققت المناصفة على مستوى الحكومة بحيث تشكل النساء نصف مجلس الوزراء المؤلف من 26 حقيبة. بهذه الإنجازات احتلت رواندا المرتبة السادسة في مؤشر الفجوة بين الجنسين وفق تصنيف المنتدى الاقتصادي العالمي، فيما جاءت سويسرا في المرتبة العشرين.

إذن كيف ستبرر السيدة “المصلي” التراجعات الخطيرة على مستوى حقوق النساء في ظل الحكومة التي يقودها حزبها منذ 2011؟ هل يمكن لها أن تقدم جردا لمواقف حزبها المناهضة للرفع من سن الزواج حتى بات المغرب يحتل المرتبة الأولى في شمال إفريقيا بخصوص زواج القاصرات الذي بلغت نسبته 16 في المائة؟ أو كيف عارض حق ولاية المرأة على نفسها في الزواج أو الولاية على أبنائها حين الطلاق أو الترمل؟ هل تجرؤ السيدة الوزيرة على إطلاع المؤتمرين ومسؤولات رواندا على البيانات الصادرة عن حزبها وحركتها والمنظمات النسائية الموازية ضد رفع المغرب للتحفظات عن الاتفاقيات المتعلقة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، وخاصة مقتضيات المادتين 9 و16 من الاتفاقية؟ ألم تعلل حركة التوحيد والإصلاح في بيان بتاريخ 14 شتنبر 2011 أسباب تنديدها بقرار الحكومة بكون مقتضيات المادتين ( تتعارض مع أحكام الإسلام وتتناقض مع أحكام الدستور وتخالف صراحة بنود مدونة الأسرة وتجهز على مكتسبات ثابتة للمرأة)؟ أما بخصوص المناصفة التي قطعت فيها رواندا أشواطا جد مهمة، هل يمكن للسيدة الوزيرة أن تطلع المسؤولة الرواندية وعموم الشعب المغربي عن سبب رفض حكومة حزبها إخراج القانون التنظيمي لهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز رغم مطالب الهيئات النسائية والحقوقية؟ وأنت تتحدثين، السيدة الوزيرة، في برنامج “حديث مع الصحافة” مساء الأحد فاتح دجنبر الجاري، أصررت على أن العنف دخيل على المجتمع المغربي وليس من ثقافته. موقفك هذا هو نفس موقف حزبك الذي يرفض تجريم الاغتصاب الزوجي لأنه لا يعتبره عنفا بل جزءا من الشريعة الإسلامية وحقا من الحقوق الشرعية للأزواج. فهل صارحت المؤتمِرات في كيغالي بكون قانون العنف الذي أشرفت على إصداره وزيرة حزبك السابقة كله ثغرات ويحيل على القانون الجنائي بدل وضع قانون إطار خاص بظاهرة العنف ضد النساء؟

إن الحقيقة التي كان عليك التصريح بها، السيدة الوزيرة، هي أن مرجعيتك الفقهية وخلفيتك الإيديولوجية لن تسمحا لك ولحزبك بتبني المطالب النسائية بالمساواة والمناصفة والكرامة. فالمساواة ليست فقط محصورة في المناصب السياسية والتمثيلية، بل تشمل كل مناحي الحياة الاجتماعية، وضمنها الإرث. لهذا يعارض حزبك مراجعة منظومة الإرث كما لا يمكنك الدفاع عن المساواة في هذا الإطار. وكذلك الأمر فيما يتعلق بحق النساء في امتلاك أجسادهن والقرار في مصير الحمل. فهل يمكنك الدفاع عن مطلب الحركة النسائية والحقوقية برفع التجريم عن الإجهاض قصد وضع حد لمآسي النساء والأطفال المتخلى عنهم (800 حالة إجهاض سري على الأقل يوميا، 24 رضيع يلقى بهم في الأزقة وحاويات الأزبال )؟ هل يمكنك تبني ومساندة مقترح قانون تقدمت به إحدى البرلمانيات ــ الأستاذة مالكة خليل ــ يقضي بإلحاق الولد لأبيه البيولوجي قصد محاصرة ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم ومعالجة مشكلة الأمهات العازبات اللائي يتحملن وحدهن مسؤولية الحمل والإنجاب وتبعاتهما؟ لن تفعليها لأن إيديولوجية حزب ومرجعيته تحمل المرأة وحدها كل الشرور وحتى الكوارث الطبيعية.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.