محمد ابن الأزرق الأنجري
إن تخليد الأحداث والوقائع المرتبطة بأنبياء الله ورسله وتذكرها أصل من أصول الدين، وليس فروعا وجزئيات كما يتصور عامة العلماء فضلا عن العامة.
قال الله تعالى: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).
والشعائر هنا هي مناسك الحج ومواضعه، بل حتى الأنعام التي تُقدم هديا في الحج من شعائر الله لقوله سبحانه: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) ، والبدن هي الإبل والجمال.
ولنبدأ رحلتنا مع المخالفين لتفقيههم في دين الله، وتعريفهم بمدى خطئهم عندما يحاربون شعيرة تعظيم مولد رسول الله.
السؤال الأول: هل يوم الجمعة عيد شرعي؟
الجواب: هو كذلك، ففي موطإ مالك وصحيح البخاري عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ، قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَجَاءَ فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ. وَقَالَ: إِنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ فَلْيَنْتَظِرْهَا، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ، فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ»
وروى أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في المستدرك، وصححه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوم الجمعة عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده.
السؤال الفرعي: ولماذا يوم الجمعة عيد يتكرر أسبوعيا، فنلبس فيه أحسن اللباس، ونخصه بطعام مخصوص، ونصل فيه الرحم، ونوقف العمل…؟
الجواب: لقد بيّن رسول الله لماذا كان الجمعة عيدا، فروى الأئمة مالك وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه عن جماعة من الصحابة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال –واللفظ لابن ماجه – : (إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه، ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة)
النتائج:
– الجمعة عيد لوقوع أحداث عظيمة فيه، أولها خلق سيدنا آدم عليه السلام، وهو نبي كريم.
فيوم ميلاد أي نبي معظم عند الله حتما، ويكفي التنبيه على عظمتها من خلال تعظيم يوم واحد منهم.
– إخراج أبوينا من الجنة إلى الأرض، ووفاة آدم يوم الجمعة، وقيام الساعة يوم الجمعة أحداث محزنة في ظاهرها، لكنها لم تحل دون اعتبار الجمعة يوم عيد وفرح وسرور، فلا يعترض علينا المحرمون للمولد النبوي بشبهة وفاة نبينا يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول الموافق لتاريخ ولادته نفسه، فإن الشريعة تعطي للفرح والنعمة الأهمية القصوى.
– إذا كان يوم الجمعة أعظم من الأضحى والفطر لخلق آدم فيه…، فإن الاثنين أعظم منهما لزاما لميلاد الرسول وبداية نزول القرآن فيه.
السؤال الثاني: هل يوم عرفة عيد أم لا ؟ وإذا كان عيدا فلماذا ؟
الجواب: روى أحمد في المسند والبخاري ومسلم في الصحيحين عن طارق بن شهاب قال: قال رجل من اليهود لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، لو علينا أنزلت هذه الآية: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. فقال له عمر بن الخطاب: إني أعلم أي يوم أنزلت هذه الآية، أنزلت يوم عرفة في يوم الجمعة.
وفي مسند الطيالسي وسنن الترمذي والمختارة للضياء بإسناد صحيح عن عمار بن أبي عمار قال: قرأ ابن عباس: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } وعنده يهودي فقال: ( لو أنزلت هذه علينا لا تخذنا يومها عيدا ) ، قال ابن عباس: فإنها نزلت في يوم عيد، في يوم جمعة ويوم عرفة.
وفي مسند أحمد، وسنن أبي داود والنسائي والترمذي، وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان ومستدرك الحاكم بإسناد صحيح من حديث عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، هن أيام أكل وشرب ) .
النتيجة المنطقية
لم يعترض سيدنا عمر ولا مولانا ابن عباس على اليهوديين، بل أكدا لهما أن عرفة يوم عيد وفرح وسرور عند المسلمين لأن الآية العظيمة نزلت فيه على رسول الله، وهو ما جاء صريحا في حديث عقبة بن عامر.
وقد جرت عادة المغاربة على التزيّن يوم عرفة والتوسعة فيه على الأهل من حيث الطعام والشراب لأنه يوم عيد، يحتفل فيه بالصيام والتوسع في الشراب والطعام.
وهذا يفيدنا أن ليلة القدر عيد عظيم لبداية نزول القرآن فيها، فهي ليلة فرح وسرور، وتزين المسلمين ليلتها، وتوسعهم في المآكل والمشارب المباحة ليس بدعة كما يزعم أتباع الفرقة الدخيلة.
بل إن رمضان كله عيد، لذلك يتزين فيه المسلمون ويتوسعون في الطعام أكثر من غيره، ويختتمونه بعيد الفطر الذي هو فرح بإتمام الصيام والقيام وشكر لله على ذلك.
وقد أشار نبينا إلى ذلك بوضوح، فقال فيما رواه أحمد والبخاري ومسلم: «شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ: رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ”
فثبت أن شهر رمضان كله عيد، وكذلك شهر ذي الحجة.
فأما رمضان فيختم بالفرحة الكبرى يوم عيد الفطر، وأما عيد ذي الحجة فيتخلله يوم عيد الأضحى كأرقى إعلان عن التوسع في الطيبات.
السؤال الثالث:أدركنا أن عرفة يوم عيد لنزول آية كمال الدين فيه، فلماذا كان يوم الأضحى عيدا؟
الجواب: لأنه اليوم الذي نجّى الله فيه سيدنا إسماعيل من الذبح كما هو معلوم مشهور بين الخاصة والعامة، فنحن نحتفل بالحدث ونحيي تلك الذكرى من حيث شعرنا أو لم نشعر دون ضجيج من المتشددين.
وأكثر من هذا، فموسم الحج جله تذكير بقصة موالينا إبراهيم وإسماعيل وهاجر عليهم السلام.
فالسعي بين الصفا والمروة تخليد لسعي السيدة هاجر بين الجبلين بحثا عن الماء لرضيعها سيدنا إسماعيل.
ورمي الجمرات تذكير بصنيع مولانا الخليل لما تبعه الشيطان في طريقه لتنفيذ الرؤيا.
السؤال الرابع:هل عاشوراء يوم عيد ؟ ولماذا ؟
الجواب: أخرج الأئمة مالك وأحمد وابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود عن النبي قال: إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ»
وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما أَنَّ عُمَرَ بْنَ يُوسُفَ، سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمُ عِيدٍ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَقَدْ كَانَ يُصَامُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَلَا حَرَجَ»
فتأكد أنه يوم عيد.
وهو كذلك، لأن الله نجّى فيه سيدنا موسى وبني إسرائيل وغرّق فرعون وجنوده في “اليم”.
وهذه المعلومات أخذها المسلمون زمن النبوة من اليهود فما سارعوا إلى إنكارها، بل نظروا إلى هدفها وهو تعظيم حدث جليل مؤكد لديهم في القرآن، فاتخذوا اليوم الذي جرى فيه حقيقة أو ظنا راجحا يوم عيد، يحيونه بالصيام والتوسعة على العيال، وهذا ما اعتاده المغاربة
قال مولانا ابْنِ عَبَّاسٍ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَالِيَهُودُ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» قالوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فِيهِ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « فَنَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. رواه أحمد والحميدي والبخاري ومسلم وغيرهم.
وفي رواية عند البخاري: فَقَالُوا : هَذَا اليَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ .
وبناء على خبر بني إسرائيل الذي تدل القرائن على صدقهم فيه، والذي تضمن الإخبار عن أن سيدنا موسى كان يصوم عاشوراء، قال عليه الصلاة والسلام ، كما في مصنف ابن أبي شيبة بإسناد حسن بشواهده المتقدمة: «صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، يَوْمٌ كَانَتْ تَصُومُهُ الْأَنْبِيَاءُ، فَصُومُوهُ أَنْتُمْ”.
وأمر صلى الله عليه وسلم بالتوسعة على الأهل احتفالا وفرحا وتأكيدا للعلاقة المتينة بيننا وبين أنبياء الله، وتأليفا لإخواننا أهل الكتاب، فقال: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَنَتَهُ»، رواه ابن الأعرابي والطبراني وابن بشران وأبو ذر الهروي والشجري والخطيب البغدادي في المجالس والبيهقي في الشعب وفضائل الأوقات، من طرق عن غير واحد من الصحابة، لذلك قواه البيهقي، وحسنه العراقي وأفرده بالتأليف، وصححه ابن ناصر الدمشقي والسيوطي، وأفرده الحافظ أحمد الغماري برسالة صححه فيها باسم “هدية الصغراء ” .
ولعلمك، فشهر المحرم كله معظم مشرف، خصوصا أيامه التسعة الأولى السابقة على عاشوراء.
فإذا كان شهر ذي الحجة خاصا بآل إبراهيم، فإن شهر المحرم خاص بسيدنا موسى.
السؤال الخامس:ماذا تستنتج من كل ما سبق أيها المسلم العاقل الخالي من التشدد والمجازفة؟
الجواب:أستنتج أن الأزمنة التي وقعت فيها أحداث عظيمة مرتبطة بأنبياء الله، هي أيام من أيام الله التي يستحب تخليدها وإحياؤها عملا بقوله تعالى: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ )
فأثبتت هذه الآية أن قصة موسى من أيام الله، وأمرت أمر استحباب بتذكير الناس بأيام الله كقصة سيدنا موسى، لذلك لم يتردد نبينا في قبول خبر اليهود ومشاركتهم في الاحتفاء بيوم عاشوراء.
وهذا الذي قلناه هنا، من ربط بين قصة موسى واستحباب التذكير بأخبار الأنبياء، ربما لن تجد أحدا سبقنا إليه، فحمدا لله على توفيقه وفتحه.
زبدة الخلاصات:
نظرا لأن حدث ميلاد رسولنا صلى الله عليه وسلم يوم من أيام الله، وأنه يساوي أو يفضل يوم خلق سيدنا آدم ويوم فداء سيدنا إسماعيل بذبح عظيم، ويوم نجاة سيدنا موسى من فرعون، ويوم سعت سيدتنا هاجر بين الصفا والمروة… فإن الاحتفال بميلاد نبينا عليه السلام أولى بالاستحباب من إحياء تلك الأيام.
ومن استصعب عليه فهم هذا القياس الجلي الواضح، فهو شبه عاقل.
ومن انتظر حتى يقال له صراحة: احتفل بميلاد نبيك فهو عن العقل عاطل.
ومن بدّع أو ضلّل مسلما بعد هذا لأنه يخلّد ذكرى مولد النبي فهو مجرم مائل.
والله يهدينا إلى تعظيم أخبار الأنبياء ومآثرهم كانوا من الأواخر أو الأوائل.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=5043