سفير الكلمات وناقل المعنى الإنساني.. وداعا عبد الكريم بوعرعار
تحرير: وداد وهبي
رحل إلى جوار ربه، بشكل مفاجئ بمدينة جنيف يوم 13 نونبر 2025، المترجم الدولي المغربي عبد الكريم بوعرعار عن عمر ناهز 70 عاما، تاركا حزنا عميقا في نفوس أسرته وزملائه بالمحافل الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر. وقد ووري جثمانه الثرى يوم 20 نونبر في مسقط جذوره بإقليم بركان، بحضور عائلته وأصدقائه ووفود من جنيف وأساتذة جامعيين.
ولد الراحل سنة 1955 في بيئة أمازيغية ريفية، وتخرج من جامعة محمد الخامس بالرباط، قبل أن ينتقل إلى جنيف ويلتحق بمدرسة الترجمة الشهيرة (ETI)، حيث حصل على الماجستير سنة 1985. والتحق بعدها باللجنة الدولية للصليب الأحمر مترجما ومراجعا رئيسيا، ثم ناطقا رسميا باسم القسم العربي، وساهم في الترجمة الفورية في كبريات المؤتمرات حول القانون الدولي الإنساني وقانون اللاجئين والقانون الجنائي الدولي.
أتقن العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية، وتعلّم الألمانية والروسية لاحقا، في شغف مستمر باللغات. وكان، بعد تقاعده، مرجعا أكاديميا لا يُستغنى عنه في التدريب والتأطير والمراجعة اللغوية بكلية الترجمة بجامعة جنيف.
آمن بأن الترجمة في المجال الإنساني ليست نقلا للكلمات، بل هي وساطة إنسانية لبناء الثقة وإنقاذ الأرواح. عايش عن قرب آلام الحروب ومشاهد النزوح، وزار معتقلات في فلسطين وأفغانستان وغوانتنامو، وشارك مترجما في مفاوضات ووساطات إنسانية حساسة، مع رؤساء دول ومسؤولين أمميين وقضاة ومحاورين من ثقافات ولغات متعددة.
كان نموذجا للمترجم الدبلوماسي المحترف: رصين، متواضع، دقيق، وإنساني قبل كل شيء. أحب البقاء في الظل ورفض الأضواء، ملتزما بمبادئ الحياد وعدم التحيز التي تعلمها في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكان يردد دائما: “المترجم يضيء الطريق للآخرين، دون أن يقف في الواجهة.”
ترك بوعرعار أثرا عميقا في نفوس كل من عرفوه، واعتبره زملاؤه “شخصية استثنائية جمعت بين العلم والإنسانية”، و”خبيرا لغويا نادرا وقلبا كبيرا”. فقد جسّد صورة مشرقة للمغربي المتفوق في المحافل الدولية، وقدم لوطنه نموذجا مشرفا في الكفاءة والتواضع والخدمة الإنسانية.
التعليقات