في العلاج النفسي للشخصية السجالية
د. عماد فوزي شعيبي
قبل بضعة سنوات، ابتكرنا هذا المصطلح النفسي عن الشخصية التي تتكلم لمجرد الكلام.
السجال هو قول متبادل ومسترسل لانفع فيه، ولا قيمة علمية متداولة، فهو من قبيل الردّ والردّ، لا الأخذ والردّ. يمكن تشبيهه بكرة البينغ بونغ الكلاسيكية حصراً التي تتحرك بشكلٍ متواتر بين الطرفين بلا أي تدخلٍ مبدع أو خارج عن الروتين.
تزخر المناقشات ببعض الشخصيات السجالية التي لا تناقش من موقع الاستفادة مما يطرح أمامها ولا من حيث وضع أطروحتها في مقابل أطروحة الآخر لإنتاج أطروحة جديدة تفاعلية من الأطروحتين.
تكون الشخصيّة السجالية فارغة في أغلب الأحيان من العمق الثقافي، لكنها حين تكون مثقفة يُصاحبها نفس عَرَض الشخصيتين (الفارغة، والمثقفة) ؛ وهو عَرَض الدفاع عن الذات بتماهٍ بين الأفكار ومُطلقها، وكأن ليس للأفكار سمة الاستقلالية عن قائلها؛ أو كأنها خُلقت ملتصقةً به وليست مُضافة بحكم الظرف واحتمالات (المحايثة) المكانية والزمانية للفرد مع مناخ يضفيها على عقله كقيمة مضافة لا أصيلة. خاصةً وأن غالبية الشخصيات السجالية لا تفكر بل (تُردّد). وهدفها السجال لا التفكير العميق ولا جدل الأفكار أو الاستزادة منها.
ولكن الشخصية السجالية المثقفة تكون هي الأصعب والأكثر عدوانيّة! في السجال لأنها تستخدم أدواتها المعرفية للإرهاب السجالي!
ويتيح السجال (فرصةً!!!) لحديث الطرشان مع هذه الشخصيّة؛ ذلك أن الشخصية السجاليّة نزويّةً تتصرف بحالة غرائزية للدفاع عن الذات، وعدم قبول تغيير أفكارها أو التعلّم، أو حتى قبول الاضافة إلى معلوماتها.
أحيانا نرى هذا النوع من السجال لدى شخصيات تريد أن تثبت ما في رأسها وتذهب إلى حد العناد وعدم الاستماع إلى الرأي الآخر أو إلى الحقيقة العلمية.
إنها الشخصية التي تريد السجال لمجرد إبراز أن لها رأياً بما تقوله، حتى ولو لم يكن رأيها متصلاً بما قلته أو يعبر بالأصل عن عدم فهم لما تقوله، بل وتبدي رأيها بثقة مبالغة، وأحياناً تتعالى على الآخرين وعلى أفكارهم.
هذه الشخصية مُصابة غالباً بعقدة الخصاء المعكوسة التي تتبدى على شكل ثقة مبالغة، ولكن الأهم أنها فارغة ولو امتلأت قليلاً لأن قلة امتلائها لا تجعلها تتواضع وتتعلم بل تجد نفسها مسوقةً للرد (قل لي … لأقول لك) للتحقق والقول إني هنا.
تتميّز بعض الشخصيات السجالية بذكوريّة العقل؛ من حيث الجمود و(الإرسال) بلا استقبال وبالتالي عدم الرغبة بالتلقيّ، فالأخير سمة أنثويّة في العقل. فالسجال ينطلق من (عدم القدرة/ وعدم الرغبة) بتعلّم شيء جديد، واعتبار أن الجديد يهدّد بُنى الشخصيّة نفسها بل ويزعزع استقرارها ومكانتها.
الشخصيّة السجاليّة لاتفكر، فهي فقط تنطقُ… وتتكلّمُ وتكون متحفّزة -فقط- للردّ. مُستعجلة لأبعد حد. لايعمل الجزء المتصل بالتلقّي في المخ لديها بفاعليّة. إنها شخصيّة ذكوريّة المخ إلى حدّ كبير. مُستفزّة غالباًما تبحث عن ذاتها وتريد تحقيقها بأيّ شكلٍ من الأشكال السجاليّة ولا عن فراغ.
أحياناً تكون السجاليّة منطلقة من عقدة في حياتها جرّاء تجربة تعرضت فيها للقمع أو للإهانة، فتعمم تجربتها على كل من له صلة بالتجربة، وغالباً ما يكون من الجنس الآخر، فهي تعبّر بسجاليتها عن رغبة انتقاميّة عميقة، تثأر لكرامتها المستباحة بذلك. وبالتالي فنمط السجال يغدو هنا بمثابة واجهة/ظاهر تعبر بها عن مكنون الرغبة بالانتقام ورد الاعتبار للذات.
يكتنف الشخصيّة السجاليّة ضروب من العناد. فهي في سجالها وفي مسعاها لإثبات ذاتها تعاند أيما عناد. وكذلك فإنها ترفض الآخر بشكل كبير وتعتبره مهدِّداً كبيراً لوجودها ومكانتها.
غالباً ما تترافق الشخصيّة السجاليّة بنوع من العصبيّة والعدوانية البنيويّة. وبهذا يكون السجال هو الواجهة التي تتمظهر بها تلك العصبية أو ذاك العدوان.
يصعب تحويل الشخصيّة السجاليّة إلى جدليّة أو حوارية أثناء (نوبة!) السجال التي تبدأها، ويفضّل في هذه الحالة تجنب السجال معها بلطف أو بالاعتذار، لأن رد فعلها بغير ذلك وخاصة بالتشاغل أو الإهمال أو التقريع أو الاحتقار… شديد العدوانيّة.
أولاً: في النقاشات الفكرية أو الأكاديمية
• لا تدخل في السجال نفسه: لأنها لا تسعى إلى الحقيقة بل إلى إثبات الوجود عبر الردّ.
• استخدم الصمت التكتيكي: فغياب الردّ يُفقدها وقودها الأساسي وهو ردّ الفعل.
• حوّل النقاش إلى أسئلة: بدلاً من الردّ المباشر، اسألها “لماذا ترى ذلك؟” لتضعها في موقع التفكير بدل الجدال.
ثانياً: في العلاقات الاجتماعية
• قلّل من التماس المباشر أثناء نوبات السجال: لأنها في تلك اللحظات تكون “ذكورية العقل” بالكامل وغير قابلة للتلقي.
• أظهر تفهّماً دون تبنٍّ: قولك مثلاً “أتفهم وجهة نظرك” يُطفئ حالة الدفاعية لديها مؤقتاً.
• اعتمد على التهدئة لا الإقناع: لأن الإقناع يثير مقاومة، بينما التهدئة تفتح لاحقاً باب الحوار.
ثالثاً: في العلاج أو التدريب النفسي
• ركّز على فصل الفكرة عن الذات: الهدف هو تعليمها أن الفكر ليس امتداداً للأنا.
• اعمل على تدريبها على مهارات الإصغاء والتأمل: خصوصاً عبر تمارين الوعي الذاتي (Mindfulness).
• عوّدها على “التوقف قبل الردّ”: أي أن تتعلم أن تفكر قبل أن تردّ، لتعيد تنشيط النصف الأيمن (المستقبل) من الدماغ.