هكذا اضطر الديمقراطيون لدعم زهران ممداني
محمد المنشاوي. كاتب مصري
اتجهت أنظار أمريكا والعالم يوم الرابع من نوفمبر، إلى انتخابات عمدة مدينة نيويورك، أيقونة الإمبراطورية الأمريكية المعاصرة، وأهم مدن العالم بما تحتضنه من مراكز صنع القرار المالي والسياسي العالمي سواء في وول ستريت، أو منظمة الأمم المتحدة، ناهيك عن رمزيتها الكبرى نتيجة تعرضها لهجمات 11 سبتمبر الإرهابية عام 2001، وكونها مسقط رأس الرئيس دونالد ترامب.
غرّد الملياردير الشهير إيلون ماسك، وهو من أغنى الشخصيات في أميركا والعالم، على منصة إكس -التي يمتلكها- “زهران يمثل مستقبل الحزب الديمقراطي”.
وجاء تصريح ماسك تعقيبا على ظهور كاثي هوشول حاكمة ولاية نيويورك وهي تعلن تأييدها لترشح زهران ممداني عمدة لمدينة نيويورك.
ولم يُعرف تحديدا ما إذا كان ماسك، الذي لديه خلاف كبير مع الرئيس دونالد ترامب بعد شهور من التحالف والدعم المتبادل، كان يشيد بحملة ممداني وبصعوده الباهر، أم أنه يوجه سخرية للديمقراطيين.
تقدم زهران ممداني (34 عاما) على منافسه المرشح الديمقراطي وحاكم الولاية السابق إندرو كومو (68 عاما)، الذي ترشح مستقلا بعد خسارته الانتخابات التمهيدية للحزب في يونيو الماضي، والمرشح الجمهوري كورتيس سليوا (71 عاما).
وينظر إلى ممداني إلى حد كبير على أنه “تقدمي اشتراكي” من أصول إسلامية، يصبح أول عمدة مسلم لنيويورك، أكبر مدينة أميركية بعدد سكان يقترب من 9 ملايين شخص.
مفاجأة ممداني
لم يتعامل قادة الحزب الديمقراطي بجدية مع ترشح الشاب ممداني لانتخابات عمدة المدينة قبل نهاية العام الماضي، واعتبره الكثيرون شابا طموحا يسعى للانتشار وإلى بعض الشهرة من خلال الترشح لحكم أهم وأغنى مدن أميركا والعالم.
وتصوّر قادة الحزب أن وجود نحو مليون ناخب يهودي مسجل بالمدينة أو أن مليارات بورصة “وول ستريت”، كفيلان بوأد مغامرة ممداني الانتخابية. وبالفعل أظهرت استطلاعات الرأي في بداية العام الجاري حصول ممداني على 1% من أصوات الناخبين فقط حينها.
ثم جاءت تصريحاته عن “عولمة الانتفاضة” والوقوف إلى جانب حق الفلسطينيين في دولة مستقلة، واعتبار ما يجري في قطاع غزة إبادة جماعية، مع تعهده بالقبض على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حال زيارته للمدينة لارتكابه جرائم حرب بغزة، إضافة إلى برنامجه الاقتصادي الطموح، لتزيد من عبء ما يمثله وينادي به ممداني للحزب الديمقراطي الذي لم يفق بعد من صدمة وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض للمرة الثانية في يناير الماضي.
كما دفعت أجندة ممداني المتعلقة بسياسات العدالة الاجتماعية وفرض المزيد من الضرائب على أغنياء المدينة لتمويل برامج اجتماعية طموحة كالسيطرة على قيمة الإيجارات وتوفير محلات بقالة مدعومة، ورعاية مجانية للأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة الابتدائية، ومجانية المواصلات العامة، إلى تخوّف الحزب الديمقراطي من مغبة خسارة أموال وتبرعات “وول ستريت”.
ولتمويل هذه السياسات، اقترح ممداني رفع معدل ضريبة الشركات في المدينة إلى من 9% إلى 11.5%، وفرض ضريبة إضافية بنسبة 2% على الدخل الذي يزيد عن مليون دولار، الأمر الذي لم يرُق للحزب الديمقراطي.
من هنا تردد قادة الحزب التقليديون في دعم ترشح ممداني حتى بعد انتصاره الكبير في الانتخابات التمهيدية على بطاقة الحزب. واكتفى أوباما بمهاتفة ممداني للحديث معه، دون إعلان دعمه لترشحه، وهو الموقف ذاته الذي تبناه الحزب بدوائره التقليدية المحافظة.
كيف انتصر ممداني؟
يرى عدد من المعلقين أن حملة ممداني الناجحة “بٌنيت من لا شيء في غضون أشهر قليلة”.
ومع نهاية العام الماضي، حصل ممداني على ما يقرب من 1% فقط من الأصوات، إلا أنه باعتماده على التنظيم الماهر، وإتقان استغلال وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة بث فيديوهات قصيرة تمتدح مواقفه وتنتقد مواقف منافسيه، وعدم تجنبه الإشارة لنفسه كـ”اشتراكي تقدمي مسلم”، وعدم التنصل من عضوية منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين الأميركيين “دي إس إيه” (DSA)، فرضت الحملة نفسها وتقدمت السباق بعدما ركزت على القضية المركزية في أذهان الناخبين وهي تكاليف الحياة في مدينة نيويورك.
وركّز منافسو ممداني على مكافحة الجريمة كأولوية في أذهان الناخبين بنيويورك، إلا أن ذلك كان صحيحا قبل أعوام، واليوم أصبح ارتفاع تكلفة المعيشة، وليس الجريمة، الدافع الأول وراء التصويت.
بين الإسلاموفوبيا والعداء للسامية
القضية التي لا علاقة لها على الإطلاق بحكومة مدينة نيويورك ولكنها مهمة دائما بين سكانها هي “قضية الشرق الأوسط”.
أصبح ممداني أول عمدة مسلم في تاريخ المدينة، وهو الذي يتخذ موقفا قويا وصارما ضد إسرائيل، ووصف عدوانها في غزة بأنه “إبادة جماعية”. كما أنه يدعم حركة المقاطعة -التي تدعو المستثمرين بما في ذلك الجامعات وصناديق التقاعد، إلى قطع العلاقات المالية مع دولة الاحتلال- وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل.
تعرض ممداني لانتقادات لرفضه إدانة عبارة “عولمة الانتفاضة”، وفي الوقت نفسه ندد مرارا وتكرارا بما تسمى “معاداة السامية”، وأشار إلى “هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل باعتباره “جريمة حرب مروعة”، وكثيرا ما يتحدث عن محادثات مع يهود نيويورك الذين شعروا بالتهديد.
وقال “نحن نشهد أزمة معاداة السامية”، وتعهد “بزيادة التمويل لبرامج مكافحة جرائم الكراهية بنسبة 800% لأن معاداة السامية ليست مجرد شيء يجب أن نتحدث عنه. إنه شيء يتعين علينا معالجته. علينا أن نوضح أنه لا يوجد مكان لذلك في هذه المدينة، في هذا البلد، في هذا العالم”.
من ناحية أخرى، ذهب بعض الجمهوريين مباشرة إلى “الإسلاموفوبيا” لتشويه صورة ممداني اعتمادا على كونه مسلما. ودعا النائب الجمهوري آندي أوجلز إلى ترحيل ممداني، وهي دعوة رددها ترامب نفسه.
كما سخرت النائبة الجمهورية اليمينية مارجوري تايلور غرين من فوز ممداني من خلال نشر صورة لتمثال الحرية الشهير مغطى بالخمار الإسلامي. في حين وصفت سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة أليس ستيفانيك المرشح ممداني بأنه “مرشح شيوعي وجهادي معاد للسامية”.
التعليقات