الشخصية المغربية ودينامية التنوع في الهوية.بين الدين والدستور والتاريخ
أذ. محمد المهدي اقرابش
عضو أكاديمية نيم الفرنسية ومنتدى الإسلام بفرنسا
أصدر مجلس الجالية المغربية بالخارج -مشكورا- كتابا تحت عنوان “الشخصية المغربية ودينامية التنوع”. وهو مجموعة من كراريس صغيرة تتناول الشخصية المغربية وما تتميز بها من دينامية وتنوع.
فمن هو المغربي ومن هي المغربية؟
إنه سؤال حقيق على من انتمى إلى بلدنا، أن يجيب عليه في حواره واتصاله مع الآخر، معتمدا على مصادر ثلاثة، سأذكرها في مقالتي هذه لإخوتي القراء لأن كلمة المغرب كبيرة وعظيمة. وهذا القول -عَلِمَ الله- لا يصدر عن شوڤينية أو تعصب وإنما هو من باب شكر النعمة والتذكير بأصالة الشعب المغربي وفرادته فهو خيار من خيار من خيار.
إن مسألةالهوية أساسية في حياة الشعوب ولا أدل على ذلك من إنشاء الرئيس السابق الفرنسي نيكولا ساركوزي لوزارة الهوية الوطنية سنة 2007 ميلادية.
وإنها لمسألة عادية فحب الوطن قد جُبِلَ عليه الإنسان. وذكرنا لحبنا وميلنا لوطننا هو من باب قول الله تعالى: ” وأما بنعمة ربك فحدث” الآية 11 سورة الضحى. ولا تناقض البتة مع الآية الكريمة : “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” الآية 13 سورة الحجرات.
سأركز في مقالتي للإجابة عن سؤال الهوية المغربية على ثلاثة مصادر أساسية في الباب:
1- المصدر الأول: ماورد في الدين الحنيف من ذكر لأهل المغرب فاخترت أصحّها مكتفيا بحديث واحد وشرح واحد في الباب.
2- المصدر الثاني: ديباجة الدستور معلقا عليها انطلاقا من تكويني و خلفيتي الشرعية و القانونية خاصة في القانون العام.
3- المصدر الثالث: كتاب الشخصية المغربية ودينامية التنوع. وهو من إصدار مجلس الجالية المغربية بالخارج. وأنوّه في هذا الصدد بهذه المؤسسة الدستورية التي أغنت المكتبة بإنتاجاتها العلمية المستقاة من ندوات ومؤتمرات ولقاءات عديدة.
1- الدين الإسلامي الحنيف والمغاربة.
لا يخفى على من اهتمّ بالشأن المغربي قوة العاطفة الدينية والإيمانيّة التي يتميز بها المغاربة.
فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال”لايزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة” وفي رواية عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة”.
وفي مواهب الجليل في شرح مختصرالشيخ خليل، قَال الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ “يكفي في أرجحية مذهب مالك ، كونه إمَام دار الهجرة في خير الْقُرُونِ وَمَتْبُوعَ أهل المغرب الذين لا يَزَالُون ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ إلَى قيام الساعة كما صحَّ في الحديث وَإِن اختلفت رِوَايَتُهُ وعصم الله مذهبه من أن يكون فيه ذو هوى موسوماً بِالْإِمَامَةِ وجعله مُقَدَّمًا عند الْكَافَّةِ حتى أن كل ذي مذهب يختاره بعد مذهبه وجعل رُؤَسَاءَ مذهبه حُجَّةً”.
2- تصدير أو ديباجة الدستور المغربي 2011.
لقد أبدع الفقيه الدستوري المغربي في التعريف بهوية الشخصية المغربية وديناميتها وتنوعها. وذلك انطلاقا من رؤية حضارية ودينية وثقافية ماكرو تاريخية. ويعجبني أن أكتفي بنص الدستور كما هو دون تصرف فيه حتى لا يَفْسُدَ تناسقه وانسجامه. فهو يعبر عن نفسه ولا يحتاج إلى تدخل لتفسيره وشرحه.
ولقد أشاد أساتذتنا في القانون العام-أذكر من بينهم أستاذي الفقيه والمؤرخ القانوني الدستوري أندريه كاباني- بتصدير الدستور وما يليه من فصول من حيث الصناعة الفقهية والدستورية وهو من صنع مغاربة لا كما كان الشأن بالنسبة لدساتير سابقة. إننا بصدد دستورانية جديدة néo-constitutionalisme متطورة كما ذكر ذلك فقهاء دستوريون مغاربة وأجانب.
وإليكم ديباجة الدستور المغربي:
“تصدير
إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.
المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء.
وإدراكا منها لضرورة تقوية الدور الذي تضطلع به على الصعيد الدولي، فإن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا. كما تؤكد عزمها على مواصلة العمل للمحافظة على السلام والأمن في العالم.
وتأسيسا على هذه القيم والمبادئ الثابتة، وعلى إرادتها القوية في ترسيخ روابط الإخاء والصداقة والتعاون والتضامن والشراكة البناءة، وتحقيق التقدم المشترك، فإن المملكة المغربية، الدولة الموحدة، ذات السيادة الكاملة، المنتمية إلى المغرب الكبير، تؤكد وتلتزم بما يلي :
العمل على بناء الاتحاد المغاربي كخيار استراتيجي ؛
تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية، وتوطيد وشائج الأخوة والتضامن مع شعوبها الشقيقة ؛
تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية، ولاسيما مع بلدان الساحل وجنوب الصحراء ؛
تعزيز روابط التعاون والتقارب والشراكة مع بلدان الجوار الأورو- متوسطي؛
توسيع وتنويع علاقات الصداقة، والمبادلات الإنسانية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية مع كل بلدان العالم ؛
تقوية التعاون جنوب-جنوب ؛
حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما ؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء ؛
حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان؛
جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة.”
3- كتاب من إصدار مجلس الجالية المغربية بالخارج تحت عنوان: الشخصية المغربية دينامية التنوع.
لقد تناول هذا الكتاب الرائع -وهو عبارة عن كراريس- مسارات متنوعة وغنية لشخصيات مغربية طبعت التاريخ المغربي.
ولقد اعتمد مجلس الجالية المغربية بالخارج -وذلك في شخص أمينه العام السيد الدكتور عبد الله بوصوف- على أساتذة وخبراء في ميدان البحث التاريخي. اعتمد هؤلاء الأساتذة بدورهم على مقاربة ميكرو تاريخية في دراستهم وتحليلهم للشخصية المغربية.
ذكر الكتاب ثلاث عشرة شخصية مغربية وهم:
– جوبا أو يوبا الثاني،الأمازيغي والملك العالِم الذي انفتح على الفضاء المتوسطي وبصمه على المستوى العلمي والسياسي. فقد كان متحدثا بعدة لغات، بسبب الأسر والتهجير في صغره. و ربط علاقات مصاهرة بالبلاطات الملكية المصرية والإغريقية.
– أبو القاسم الحجري افوقاي(1570-1640) أو المحامي الموريسكي الأندلسي، الذي وصف معاناة المسلمين المضْطَهَدِين في الأندلس. وقد كان وسيطا بين الأنا الإسلامي والأنا المسيحي. خدم لدى بياض الحضرة ( أي أصحاب القرار والنفوذ) في العالمين معا.
– مصطفى الازموري (1500-1539): مغربي ساقته الأقدار الإلهية إلى العالم الجديد أمريكا. فكتب فصلا في تاريخ الاكتشافات الإنسانية. ولا تزال تقام له احتفالات في نيو مكسيكو والغرب الأمريكي. ويقام له سنويا مهرجان احتفالي في بنساكولا بولاية فلوريدا وذلك باعتباره أول أفريقي ساهم في اكتشاف أمريكا الشمالية نيومكسيكو وأريزونا. وصف وترجم في كتاباته ماشاهده بحكم أنه كان متعلما وقارئا.
– الشيخ الصحراوي ماء العينين الكبير (1831-1910) والذي نشر الوعي الصحيح بين قبائل الصحراء وسعى إلى التوحيد بينها والدفاع عن حوزتها ضد المستعمرين. وهو عالم وفقيه وصوفي ومجاهد ومقاوم. وإني أتشرف بالانتماء من حيث أصولي إلى قبائل أيت امان لوان والتي تعني آل ماء العينين.
– عبد الله بن عائشة ادميرال وبَحَّار وقرصان ودبلوماسي مغربي (1646-1714): شخصية أندلسية رباطية قوية. وفد كسفير مغربي على بلاط الحكم الملكي في فرنسا في عهد الملك لويس الرابع عشر. و وصف في كتاباته مشاهداته ومعايناته في المجتمع الفرنسي وما يتميز به هذا الأخير من عادات وتقاليد وفنون وآداب.ذكره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطابه الذي ألقاه في البرلمان المغربي. فقد وصفه في سياق اعترافه الرسمي بسيادة المغرب على صحرائه، بالسفير المحنك الذي استطاع ربط علاقات صداقة بين الأمة المغربية والأمة الفرنسوية.
– محمد بن عثمان المكناسي توفي سنة 1799م، وهو كاتب وسفير ووزير وأديب و شخصية مخزنية. خدمت في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله وقد نزل سفيرا على إسطنبول وإسبانيا وكان له الفضل في تحرير أسارى جزائريين وتخليصهم من يد الإسبان.
– الست الحرة (1485-1561) أميرة الجهاد البحري شمال المغرب الأقصى وزوجة أمير تطوان أحمد المنظري وسلطان المغرب أبو العباس الوطاسي بالعاصمة فاس، وحاكمة تطوان وشفشاون خلال الفترة ما بين 1515-1542، وهي ابنة الأمير مولاي علي بن موسى بن رشيد العلمي وأخت الصدر الأعظم إبراهيم بن راشد. سميت بهذا الاسم تيمنا بعائشة الحرة والدة أبي عبدالله الأحمر آخر ملوك غرناطة الذي كان صديقا لمؤسس شفشاون.والدها هو مؤسس المدينة، وأمها اسبانية من منطقة قادش. اعتنقت الإسلام. وتعتبر إحدى أهم نساء المغرب الكبير في القرن السادس عشر.
– خناثة بنت بكار(1666-1746) الصحراوية العالمة والفقيهة والأديبة والسياسية. عملت في السياسة والعمل الدبلوماسي لمدة قاربت 66 عاما. كانت مستشارة لزوجها القوي السلطان مولاي إسماعيل. ساعدت ابنها السلطان عبد الله بن إسماعيل على بسط حكمه والحفاظ على السلطة. وسهرت على تكوين وتربية حفيدها السلطان العالم السلطان محمد بن عبد الله.
– موسى بن ميمون الحَبْرُ والقاضي اليهودي (1135-1204) ولد في قرطبة واستقر في فاس ثم ذهب إلى مصر ومات بها.وقد تأثر بكتابات ابن رشد الحفيد وغيره من علماء وفلاسفة الإسلام ويظهر هذا جليا في كتابه دلالة الحائرين. هناك مثل يهودي سائر في شأنه وهو: ” مِنْ موسى النبي إلىموسى بن ميمون ما وُجِدَ موسى”.
– محمد بن الحسن الحجوي (1874-1956) شخصية عالمة ومخزنية متشبعة بالحداثة ومتعطشة إلى التغيير وإلى إقلاع المغرب ونهوضه عن طريق انفتاحه على العالم الخارجي. لقد ركز على ثلاث قضايا لتحصين الذات وتحديثها في الوقت نفسه: التعليم، والاقتصاد، والمرأة.
– محمد الصفار أبو عبد الله محمد ابن عبد الله (1810-1881) فقيه وكاتب مخزني ودبلوماسي مغربي. كان ضمن البعثة المغربية إلى فرنسا بعد الهزيمة القاسية التي تعرضت لها الإيالة الشريفة في معركة وادي إسلي. وقد تأثر في مواجهته للحداثة بقوة الفرنسيين وضبطهم وحزمهم وحسن ترتيبهم ووضعهم كل شيء في محله. مع ضعف المسلمين وانحلال قوتهم واختلال أمرهم.
– محمد بن المختار السوسي (1900-1963).مؤرخ، أديب، رجل دين، مجاهد، عُين في أول حكومة مغربية وزيرا للأوقاف العمومية عام 1956م. تميزت شخصيته ببعدها الأمازيغي والإسلامي والأدبي. اشتهر بكتابه الفريد:المعسول.
– الشيخ أحمد التيجاني ولد في عين ماضي بالجزائر سنة 1735وتوفي في فاس سنة 1815. وطريقته هي من الطرق الصوفية المعتدلة التي تجمع بين التصوف السني والبساطة، خاصة بالنسبة لحديثي العهد بالدين الإسلامي وأيضا بالنسبة لغير الشعوب العربية من الدول الأفريقية. ولا أدل على ذلك من قراءة المغاربة لصلاة الفاتح.
هذه هي أبرز سمات الشخصية المغربية الضاربة في التاريخ، والمستشرفة للمستقبل الموعود والحامل لكل خير.
والحمد لله أولا وآخراً.
التعليقات