27 أكتوبر 2025 / 10:24

زهران ممداني.. وجه جديد يرسم ملامح التحول السياسي في أمريكا

دين بريس ـ سعيد الزياني
يعد فوز زهران ممداني بترشيح الحزب الديمقراطي لرئاسة بلدية نيويورك محطة مفصلية في مسار التحول السياسي بالولايات المتحدة، إذ يجسد بروز جيل جديد يسعى إلى إعادة صياغة القيم التي توجه السياسة المحلية وتؤثر في ملامحها الوطنية.

وكان فوز ممداني ثمرة حراك اجتماعي متنامٍ جمع بين استياء الطبقات المتوسطة والفقيرة من تفاقم تكاليف المعيشة، وطموح جيل شاب سئم ركود النخب السياسية التقليدية، فقد انطلقت موجة التغيير من الأحياء الشعبية في كوينز وبروكلين، قبل أن تمتد إلى صميم المؤسسة الديمقراطية، لتفرض واقعا جديدا يتجسد في مشاركة أوسع للتيارات التقدمية في رسم القرار السياسي وصياغة مستقبل المدينة.

واستند ممداني إلى خطاب اجتماعي مباشر ركز على العدالة الاقتصادية والإسكان والنقل والتعليم، متحدثا عن مدينة لجميع سكانها لا للأثرياء وحدهم، ودعا إلى تجميد الإيجارات، ورفع الضرائب على أصحاب الثروات، وتوسيع الخدمات العامة، في مقاربة تهدف إلى إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة المحلية.

ولم يعتمد على هياكل الحزب التقليدية بقدر ما اعتمد على الحشد الشعبي والتنظيم القاعدي، ما مكنه من الوصول إلى شرائح لم تكن منخرطة سياسيا من قبل، فحول الإحباط إلى طاقة انتخابية فعالة.

وكشف هذا التحول عن قدرة الجيل الجديد على فرض أجندته السياسية من خارج القنوات المؤسسية، مستفيدا من وعي متزايد بالقضايا الاجتماعية والبيئية والعرقية.

في الوقت نفسه، واجه ممداني حملة معادية استهدفت أصوله الدينية والإثنية، إذ تعرض لهجمات عنصرية وإسلاموفوبية حاولت التشكيك في وطنيته وانتمائه، لكنه نجح في تحويل تلك الهجمات إلى دليل على عمق الأزمة الثقافية الأميركية، مؤكدا أن الإسلاموفوبيا لم تعد ظاهرة هامشية بل ممارسة متجذرة في الخطاب العام.

وقد أظهر في تصريحاته وعروضه الانتخابية ثقة كبيرة في الدفاع عن قيم المساواة والمواطنة، مقدما صورة جديدة للمسلم الأميركي الذي يجمع بين الانتماء الديني والالتزام المدني في آن واحد، هذه الصورة وجدت صدى واسعا لدى الناخبين الذين رأوا فيه رمزا للاندماج الإيجابي والتنوع الذي تمثله نيويورك.

وتبقى التحديات أمام ممداني كبيرة، فإدارة مدينة معقدة مثل نيويورك تتطلب توازنا بين الطموح الأيديولوجي والواقعية التنفيذية، فبرنامجه الاقتصادي الجريء قد يثير مقاومة من الطبقة الرأسمالية، كما أن تجربته ستخضع لاختبار مدى قدرته على تحويل الخطاب إلى إنجازات ملموسة دون الإخلال بالاستقرار المالي للمدينة.

ويترقب خصومه أي تعثر لاعتباره دليلا على فشل التجربة التقدمية في الحكم، فيما يرى أنصاره أن نجاحه سيكون دليلا على أن السياسة يمكن أن تعود إلى خدمة الإنسان لا المصالح الضيقة.

ويمثل صعود ممداني لحظة رمزية في تطور الوعي السياسي الأميركي، إذ يعكس انتقال مركز الثقل من النخب القديمة إلى قوى اجتماعية شابة تطمح إلى إعادة بناء العقد الاجتماعي على أساس المساواة والعدالة.

وإن نجح في تحقيق وعوده، فقد يفتح الباب أمام موجة جديدة من القيادات التعددية التي تعكس التنوع الديني والعرقي للولايات المتحدة، أما إذا تعثرت تجربته، فسيظل فوزه دليلا على أن التحول بدأ فعلا، وأن الطريق نحو تجديد السياسة الأميركية بات مفتوحا أمام جيل يرفض الخوف ويؤمن بأن التغيير ممكن.

وزهران ممداني سياسي أميركي مسلم من أصل أوغندي ولد سنة 1991 في كمبالا، وانتقل مع أسرته إلى الولايات المتحدة في سن السابعة ليستقر في نيويورك، ويعد من أبرز الوجوه التقدمية داخل الحزب الديمقراطي وعضوا في “الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا”.

ويجمع ممداني بين هويته الدينية والتزامه المدني، ويقدم نموذجا لمسلم أميركي يسعى إلى تجديد السياسة الحضرية على أسس المساواة والتنوع، وقد برز ترشحه لرئاسة بلدية نيويورك سنة 2025 كعلامة على صعود جيل جديد يطمح إلى تغيير منظومة الحكم المحلي في الولايات المتحدة.