27 أكتوبر 2025 / 08:17

حوار السياسة بين الحجج العقلية وتطبيقاتها

د. الناجي لمين. أستاذ بدار الحديث الحسنية. الرباط 

هذا الشيخ سقط في غير محل السقوط، سقط مع شخص لا ينسى جوهر النقاش. وأصدر فيديو يناقش فيه درجة الحديث، والاجماع، والتفريق بين الاجماع على اللفظ دون المعنى، وما سماه الحجج العقلية.

هذا الشيخ الكريم قال في أول شريط الذي أثار هذا النقاش: إن قول (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) تعبير خطأ وفاسد، تجده سائدا في كتب الحنابلة والمعتزلة”.

فلماذا لم يبق الشيخ على هذا القول؟! انا أقف هنا.

أسأل: هل ما زال على رأيه أنه خطأ وفاسد او تراجع؟!

قال إنه سائد في كتب المعتزلة هل ما زال على رأيه؟!

إن السياسي هو الذي يُنسِي أتباعه ما قاله قبل، وليس العالم. العالم إذا ظهر له الخطأ يصرح بالرجوع.

بينا للشيخ أن هذه اللفظة التي وصفها بالخطأ والفساد ثابتة في الحديث، وعلى لسان الصحابة والتابعين منهم سيدنا علي وسيدنا الحسن البصري. وحكى العلماء الإجماع على جواز التلفظ بها في كتب الحديث وشروحه وكتب التفسير والفقه وأصوله. أنا أتحدث مع الشيخ في اللفظة التي حكم عليها بالفساد، كيف تكون فاسدة وقد جاءت في الحديث الذين نقله العلماء ولم يقولوا إن اللفظة فاسدة. قليبقَ معي في كلمتي خطأ وفاسد، وأن هذه اللفظة منتشرة في كتب المعتزلة، مع أنها موجودة بكثرة لا يحصرها العد في كتب أهل السنة.

ما سماه الشيخ بالحجج العقلية التي عمر بها الوقت لا دخل لها في النقاش. هو أفسد لفظة فأثبتنا له أنه نطق بها من هم أفضل مني ومنه. وألمح إلى أنها غير موجودة في كتب أهل السنة، فأتبتنا له انها منتشرة في كتب السنة.

وأما قوله إن إجماعهم على اللفظ لا يدل على الإحماع على المعنى وأن كثير من آي القرآن كذلك، فهذا قياس مع الفارق، لأمرين:

الاول: أن الشيخ مقر مع جميع المسلمين بأن الفاظ القرآن غير فاسدة وليست خطأ، وهو قال في هذه اللفظة إنها خطأ وفاسدة.

ثانيا: الآيات التي لم يتفق العلماء على معانيها منصوص على الخلاف فيها، فبعض العلماء يقولون مثلا في القرء: إنه الطهر، ومنهم من يقول: أنه الحيض. وهذه اللفظة التي وصفها بالفساد لم ينص العلماء على الخلاف في معناها. فكيف علم الشيخ أنهم يقصدون اللفظ دون المعنى؟! بالإلهام؟ هو يحكي الأقوال بدون نقل عن العلماء. صار هو مصدر العلم.

بقيت كلمة تتعلق بما سماه الحجج العقلية، وقال إنها هي الفيصل.

أولا: هناك فرق بين الحجج العقلية في ذاتها، وبين تطبيقها، فليس كل من ادعى الحجج العقلية يُسلَّم له. والدليل القاطع على ذلك أن المتكلمين اختلفوا في مسائل كثيرة جدا، وكلهم يستعمل الحجج العقلية، ولا سيما المعتزلة، الذين يبدعهم الشيخ مع أنه لا يصل في العقليات إلى درجة أدناهم. هل الشيخ أعلى من المعتزلة في الحجج العقلية؟!

ثانيا: الحجج العقلية ليس هي الفيصل عند المسلمين بعد إثبات وجود الله والنبوة. لأن العقل قد يخطئ.

الفيصل عند المسلمين هو النصوص التي أجمع السلف عليها، وبها بدع العلماءُ المعتزلة، وهم من هم في العلوم العقلية كما قلت. الشيخ جعل اجتهاده في العقليات هو الحجج العقلية.

أبو الحسن الأشعري ما نجا من البدعة إلا بعد أن عاد إلى النصوص المجمع عليها عند السلف. النصوص المجمع عليها هي العاصم للعقل عند الأشاعرة. والدليل القاطع في ذلك مثلا: صفات السمع والبصر والكلام. العقل لا يوجبها، لأن صفة العلم كاف، فالعقل في هذه الصفات الثلاث مؤيِّد فقط للسمع. كذلك ما يجب في حق الرسل وما يستحيل ثابت بالأصالة بالسمع، والعقل هنا مؤيد فقط، ولذلك قال في الجوهرة: “كما رووا”.

هذا المسلك هو الذي أنجى الاشعري من البدعة كما قلت، ولذلك اهتم كثيرا بحكاية إجماع السلف في كتبه.

الحجج العقلية تكون هي الفيصل لو كان الإنسان معصوما من الزلل. العاصم من الزلل هو الاجماع عند العلماء.

وأخشى أن يقول الشيخ الكريم مرة أخرى إنني أتكلم بالعاطفة.

يتبع