ملاحظات حول ندوة مخصصة لفكر مالك بن نبي
عبد الإله زيات
كانت ندوة البارحة عن بن نبي فرصة رائعة للحوار السوكراتي الدافع بعجلة الفكر أكثر، لكنها-للأسف- لم تغير من دوغما الأغلبية وأحكامهم القيمية، ولا زلت أنطلق من فكرة: من بن بني المتخيل إلى بن نبي الحقيقي.
مالك بن نبي، في المخيال العربي أشبه بصورة ميتافيزيقية لفيلسوف النهضة، مصلح جمع بين الدين والعقل، يصرخ في وجه الاستعمار داعيا إلى بعث حضاري من رماد الانحطاط، غير أن هذه الصورة التي تم تناقلها لا سيما بعد أن كتب عنه إحسان عبد القدوس في خمسينيات القاهرة، ليست سوى بن نبي المتخيل، ذلك الذي خُلد كضمير للأمة أكثر مما عومل كمفكر له سياقه وتناقضاته، أما بن نبي الحقيقي فهو ابن المنفى النفسي والاستلاب الثقافي، تشكل وعيه في رحم فرنسا الاستعمارية، فحمل لغتها، ومفاهيمها، وصراعاتها، دون أن يتحرر منها فعليا؛ ولما ميّز بين الثقافة والعلم في عبارته الشهيرة:” الثقافة تولد العلم دائما، والعلم لا يولد الثقافة دوما”، كان يكرر من حيث لا يدري نقاشا قديما في الفكر الفرنسي منذ رينان ولوبون، لما وضعت الثقافة كشرط قيمي للعلم، لقد أخذ بن نبي هذا التصور الميتافيزيقي وغلفه بروح أخلاقية إسلامية، وكأنه يسعى لتزويج العقل الديكارتي بالضمير الصوفي لكنه في العمق ظل أسير الثنائية الفرنسية ذاتها، بين l’homme moral وl’homme scientifique.
وفي السياسة، فقد كان نتاجا مباشرا لأزمات ما بعد الاستعمار، فاستعاض عن الثورة بالرمز، وعن الفعل بالتأمل، وعن المقاومة بتحليل القابلية للاستعمار، مفهوم لم يكن من بنات فكره كما ادّعى المريدون، لأنه كان ابنا غير شرعي لنظريات جورج بالانديي وروجيه باستيد في سوسيولوجيا الشعوب المستعمَرة، سبق أن صاغا مقاربة مشابهة حول l’intériorisation de la domination. ما فعله بن نبي هو أنه نقل تلك الفكرة من حقل السوسيولوجيا إلى الميدان الأخلاقي، ليجعل الاستعمار حتما نفسيا أكثر منه بنية سياسية قابلة للمقاومة.
والذين يتساءلون عن مذهب بن نبي، فديانته الفكرية لم تكن الإسلام بقدر ما كانت ضربا من إيمان ثقافي يبرر به عجزه الوجودي أمام الغرب فبدل أن يطرح مشروعا للحرية، أعاد إنتاج خطاب الذنب، نحن نستحق ما حلّ بنا لأننا قابلون للاستعمار، بذلك انقلب نقده إلى جلد للذات، وتحوّل فكره إلى وعظ أخلاقي مموّه بلغة فلسفية.
يتبع فيما بعد