25 أكتوبر 2025 / 13:30

قراءة في فتوى الزكاة الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى

محمد المهدي اقرابش

أكاديمي وإمام خطيب ومرشد ديني في المستشفيات.

عضو منتدى الإسلام بفرنسا.

 

إن من نعم الله على الأمة المغربية أن جعل فيها امارة المؤمنين تحفظ لها دينها وتبين لها الأحكام الشرعية في عباداتها ومعاملاتها. فمن صميم وظائفها ومهامها الذود عن الدين والبلاد ومصالح العباد. وقد ذكر ذلك الماوردي في الاحكام السلطانية وورد في الدستور المغربي في الفصل 41:

“يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه.

ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة إليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة.

تحدد اختصاصات المجلس وتأليفه وكيفيات سيره بظهير.

يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر”.

 

يسعى هذا الاختصاص إلى جمع الأمة على كلمة سواء وعمل موحد في ما يتعلق بالأمور الدينية سواء كانت عبادات بدنية أو مالية. ولا أدل على ذلك من فتوى الزكاة الصادرة بتكليف من أمير المؤمنين محمد السادس حفظه الله عن المجلس العلمي الأعلى بتاريخ 13 ربيع الثاني 1447 هجرية الموافق ل6 أكتوبر 2025 ميلادية . لقد تم تحيين وإعادة التذكير بأهمية هذه العبادة وأثرها على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة. فجزى الله أمير المؤمنين ثم أعضاءالمجلس العلمي الأعلى خير الجزاء على هذه الفتوى النافعة بإذن الله تعالى.

لقد جاءت الفتوى مرتبة، سلسة وسهلة في الفهم. أما فيما يتعلق بالتوضيحات العشرة التي وردت في الفتوى فكأني بها تشير إلى رمزية العدد عشرة محيلة بذلك إلى المفاهيم العشرة المعروفة لدى طلبة العلم .وكأنها تشير ضمنيا إلى التوجيهات التي وردت في رسالة أمير المؤمنين إلى المجلس العلمي الأعلى بمناسبة مرور خمسة عشر قرنا على مولد النبي صلى الله عليه وسلم.

أكد المجلس العلمي الأعلى على وظيفته ودوره في البيان وإبلاغ شرع الله دراسة واجتهاداوفتوى وتبليغا.

لقد أحيت فتوى الزكاة هذه في النفوس أهمية العبادة المالية التي نتقرب إلى الله بها . ولا أدل على أهمية وعظم الزكاة من كونها قد جاءت في قَرَنٍ واحد مع الصلاة في القرآن الكريم وفي السنة الزكية المطهرة.

أشارت الفتوى إلى فائدة الزكاة في تحقيق الطهر والنقاء من البخل والشح وكذلك في النماء والزيادة والبركة في المال والنفس.

إنها فريضة وقربة فعلية مالية وتعبدية وحكمتها واضحةو علتها معروفة وبينة. يظهر هذا جليا من خلال مضمون الفتوى واستدلالها بقول الله تعالى: “خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها” التوبة الآية 104. قد اعتمدت هذه الفتوى على الفقه وأصوله وماتتضمنه من دلائل إجمالية وتفصيلية في المذهب المالكي كما انفتحت على المذاهب الأخرى المعتبرة في الأمة دارسة المستجدات المالية والاقتصادية والاجتماعية في واقعنا المعاصر و مشيرة الى المندوبية السامية للتخطيط.و يدل هذا على الأصالة الدينية من حيث إعمال الفقه وأصوله والإلمام بالواقع الاقتصادي والاجتماعي اعتمادا على معارف وعلوم أخرى.

ذكرت الفتوى احتمال ورود أسئلة خاصة غير مطروقة نظرا لتوسع النشاط الإنساني وتعقده في هذا العصر اقتصاديا وماليا واجتماعيا. ففتحت بذلك المجال لتوجيه اسئلة واستفسارات حول المعاملات التي قد تكون خاصة أو استثنائية .

و بينت الفتوى الفرق بين الضريبة والزكاة وهذا أمر في غاية الأهمية، إذ أن هناك من لا يميز بين الضريبة والزكاة ، فيظن أن أداء الضريبة يغنيه عن أداء الزكاة. وهو خلط يقع لكثير من الناس في أسئلتهم خاصة هنا في الغرب وفي أوساط بعض الشباب المسلم. فالضرائب تؤدى مقابل رعاية وخدمات وهو حق للدولة والمجتمع. أما الزكاة فهي عبادة مالية فرضها الله على الأموال عند استيفاء الشروط الآتية: تمام المِلكِ أو دين مرجو والحول في ما يشترط فيه الحول والنصاب.

أدرجت الفتوى القطاعات الكبرى كقطاعات الفلاحة والتجارة والصناعة والخدمات وغيرها في الأموال التي تجب فيها الزكاة. هذا الإدراج كفيل بأن تجعل المؤمنين يدركون حرص الدين الحنيف على توزيع الثروات والأموال بين سائر أفراد المجتمع. إنه سعي إلى تحقيق التكافل والتضامن والتعاون على البر والتقوى والقضاء على المشاعر السلبية والضغينة تجاه الأغنياء والموسرين. قال الله تعالى “كي لايكون دولة بين الأغنياء منكم” سورة الحشر الآية 7.

إن ربط فتوى الزكاة ب “التصنيف المغربي للأنشطة الاقتصادية” الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط لهو أفضل دليل على أن الزكاة نظام تعبدي مالي واقتصادي قادر على محاربة الفقر والقضاء عليه. أما اقتراح الفتوى اعتماد الفضة في التقويم عند تقدير النصاب فإنه يتيح إشراك أكبر عدد ممكن من المؤمنين في أداء هذه الفريضة تكثيرا للخير والإحسان وتحفيزا على التقرب إلى الله تعالى . ومن أراد ان يعتمد على الذهب في تقويم النِّصاب فله ذلك؛ لأن الخلاف في مسألة اعتماد الذهب أو الفضة في تقويم النِّصاب معتبر وله حظ من النظر . وهو من رحمة هذا الدين و سعة أفق المجلس العلمي الأعلى وقبوله للخلاف في المسائل الفقهية وأخذه بالتيسير والأنفع والأصلح . أما إشارة الفتوى إلى المعنى المعاصر للفقر وأنه غير متروك للحكم الجزافي بل هو موضوع للقياس والتصنيف على المستوى الدولي والوطني فهو شيء جميل ومفيد جدا في النقاش حول من هو الفقير وغير الفقير. ولا يزال أناس وفقهاء يتكلمون في الفرق بين المسكين والفقير ومن الأولى بينهما في الأعطية والصدقات.

استثنت الفتوى أصنافا ثلاثة من الزكاة وهم العاملين على الصدقات والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب وأبقت الخمس الباقية ممن ذكروا في قوله تعالى” إنما الصدقات للفقراء والمساكين و العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم” الآية 60 من سورة التوبة. ويرجع سبب استثناء هذه الأصناف الثلاثة من مصاريف الزكاة إلى أنها غير واردة في سياقنا الحاضر. ولكن يتبادر إلى الذهن سؤال متعلق بمغاربة العالم. فمثلا في أوروبا هناك من يتقاضى أجرا من الجمعيات الخيرية والتي تجمع الصدقات والزكوات لإغاثة ومساعدة الفقراء والمساكين. فماحكم أخذهم من هذه الزكوات أو صرفهم لها؟ وسؤال آخر مفاده : هل تخرج الزكاة في مكان وجود المال ام في مكان إقامة المالك بالنسبة لمغاربة العالم ؟ وإذا كانت عبادة الزكاة متعلقة بالمال لا بالشخص فهل الافضل اخراجها في البلد ومكان وجود تلك الأموال أو المؤسسة التي تسيرها؟

وهل حساب الحول في الزكاة يكون وفق التقويم الهجري أم التقويم الميلادي المتبع في المعاملات اليومية والوثائق الإدارية؟

وختاما أقول: حقا إن هذه الفتوى نفيسة ونافعة وأخلاقية تحفز على التضامن والتكافل والإحسان والتقرب إلى الله بما يحبه الإنسان خاصة في واقعنا المعاصر الذي تعاني فيه البشرية من غلاء الأسعارو أزمات اجتماعية و اقتصادية ومالية صعبة،نسأل الله السلامة والعافية. وحبذا لو أنشئ صندوق خاص لجمع الصدقات والزكوات لمحاربة الفقر والخصاصة.

قال الله تعالى “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون”الآية 92 سورة آل عمران

وقال سبحانه وتعالى “وإنه لحب الخير لشديد” الآية 8 سورة العاديات.

بارك الله الجهود وجعل العمل متقبلا ونفع الله بهذه الفتوى البلاد و العباد.