د. الناجي لمين. أستاذ بدار الحديث الحسنية. الرباط
ليس هناك إلا طريق واحد، وهو النقل عن العلماء الأثبات.
ولم يكن العلماء يوردون الأسئلة على الإجماع المنعقد في عهد السلف إن نُقِل نقلا صحيحا، حتى جاء الشوكاني فأوردها، وأنكر الإجماع. والغريب أن الشوكاني عندما يحتاج إلى الإجماع يستدل به في نيل الأوطار وفي السيل الجرار… بل أحيانا يستدل بإجماع لا يوجد إلا في ذهنه.
نأتي إلى كلام هذا الشيخ الذي حكم بفساد هذه اللفظة الشريفة “ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن”:
الشيخ في الشريط الثاني أنكر الإجماع على هذه اللفظة صراحة، بِدعوى أن المعتزلة والزيدية غير موافقين، (هذا مع العلم أنه قال في أول شريط إن لفظ “ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن” تجده سائدا في كتب المعتزلة !)، ثم طرح أسئلة على الإجماع: متى انعقد هذا الإجماع؟ ومن هم المجمعون؟ ومن حكى هذا الإجماع من الأئمة المعتبرين في النقل؟.. ثم قال: ولو سلمنا بوجوده فإنه “ظني لا محالة”.
فلما ووجه بالنصوص الكثيرة الوفيرة من كبار علماء الأمة (منهم إمام الماتريدية وإمام الأشاعرة…) على اختلاف تخصصاتهم، وعلى مر القرون، وأنهم نصوا على أنه إجماع متواتر بالقطع، انتقل من الإنكار إلى التشكيك فقال: وأما الإجماع إن سلم ثبوته فإن الإجماع على اللفظ لا يستلزم الإجماع على المعنى. ولم يورد الشيخ أي نص من نصوص العلماء يؤيد قوله.
أولا: هذا الإجماع انعقد في عهد السلف: الصحابة والتايعون، قبل أن يقوى ساعد المعتزلة وغيرهم من المبتدعة. ولذلك حكاه ابن حزم، بل قال الإمام الماتريدي: هو “قول المسلمين أجمع”. فالمعتزله في هذه المسألة وفي مسائل أخرى خرقوا الإجماع المنعقد قبلهم، ولذلك بدَّعهم العلماء، ومنهم الإمام أبو الحسن الأشعري، حيث قال في نسخة الإبانة التي رواها ابن عساكر في تبيين كذب المفتري: “وزعموا (أي المعتزلة) أن الله تعالى يشاء ما لا يكون، ويكون مالا يشاء، خلافا لما أجمع عليه المسلمون من أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن..”. هذا النص من الإمام الأشعري كاف شاف في ردِّ كل ما طول الكلام فيه هذا الشيخ.
ثالثا: بالنسبة للتشكيك في الإجماع، ما هو دليله على هذا التشكيك؟
شمس الدين الفناري يقول في سياق رده على المعتزلة: “وكذا ما روي عنه عليه السلام وعن جميع الأمة (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن). والإجماع المتواتر حجة قطعية لهم..”.
وابن جزم المتشدد في حكاية الإجماع يقول في كتاب الفصل في سياق رده على المعتزلة: “ويكفي من هذا كله اجتماع الأمة على قول ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن..”.
هذا الإجماع تجده في كتب علم الكلام وكتب الفقه، وكتب أصول الفقه، وكتب التفسير، وكتب شروح الحديث، وفي كتب التاريخ والسير والتراجم… والشيخ يشطب عليه بجرة قلم.
إذا كان الإنكار أو التشكيك بدون دليل لم يبق عندنا أي دليل. كلُّ ذلك يفعله الشيخ إرضاء لما يسميه الحجج العقلية، أي عقل هذا الذي يحكم على لفظة شريفة بالفساد، وهي صحيحة لغة وشرعا، ويتقرب المسلمون بها إلى الله تعالى في أذكارهم؟ !
يتبع، وسيأتي منشور يتعلق أيضا بالإجماع على اللفظ والمعنى. إن شاء الله.
تابع آخر الأخبار من دين بريس على نبض

