تحرير: صفاء فتحي
منذ انطلاقها عام 2009، أصبحت أكاديمية محمد السادس لكرة القدم أحد أبرز المشاريع الرياضية التي غيرت خارطة الكرة المغربية، محققة قفزة نوعية في تكوين اللاعبين وصياغة نموذج احترافي متكامل. فقد أصبحت هذه الأكاديمية، برؤية ملكية واضحة، رمزا للنهضة الكروية، معتمدة على ثلاث ركائز أساسية: التكوين، الاحتراف، والانضباط، لبناء جيل قادر على رفع اسم المغرب على الساحة القارية والدولية.
رؤية ملكية لتطوير رأس المال البشري الرياضي
تأسست الأكاديمية بناء على إيمان الملك محمد السادس بأن كرة القدم لا يمكن تطويرها دون استراتيجية تكوينية واضحة ومؤسسات متطورة. بنيت الأكاديمية على مساحة تقارب 18 هكتارا في مدينة سلا، مزودة بملاعب بمعايير عالية، مرافق طبية متقدمة، وحدائق إقامة متكاملة، إلى جانب مدارس تجمع بين التعليم الأكاديمي والتكوين الرياضي.
الهدف هو إعداد لاعبين متكاملين، يجمعون بين المهارة الفنية، الانضباط السلوكي، والمعرفة الأكاديمية، بما ينسجم مع الرؤية الوطنية لتعزيز رأس المال البشري وربط الرياضة بالتربية والتعليم.
نجاحات مغربية على المستوى الدولي
تجلى نجاح الأكاديمية في اللاعبين الذين أصبحوا اليوم نجوما في أوروبا، مثل نايف أكرد، يوسف النصيري، وعبد الصمد الزلزولي، إلى جانب آخرين يواصلون مسيرتهم الاحترافية بثبات. هذه الأسماء تؤكد أن المغرب أصبح مصدرا للمواهب الرياضية القادرة على المنافسة عالميا، بعدما كان يعتمد سابقا على الاستيراد الخارجي للخبرات والأساليب.
من قطر إلى تشيلي: حصاد التكوين المغربي
لم يكن تألق المنتخب المغربي في مونديال قطر 2022 مجرد صدفة، بل ثمرة عمل مؤسساتي طويل. فقد شارك خريجو الأكاديمية بفعالية في التشكيلة الوطنية، مقدمين نموذجا في الانضباط والذكاء التكتيكي وروح الفريق.
فيما أكد تتويج “أشبال الأطلس” بلقب كأس العالم لأقل من 20 سنة في تشيلي 2025 أن استراتيجية الأكاديمية بدأت تؤتي ثمارها على جميع المستويات، من الفئات الصغرى إلى الكبار.
تمكين المرأة: خطوة نحو المساواة الرياضية
لم تقتصر رؤية الأكاديمية على اللاعبين الشباب، بل شملت تطوير كرة القدم النسوية، من خلال إنشاء منظومة تكوين موازية للفتيات. وقد انعكس هذا على أداء المنتخب النسوي المغربي، الذي كتب التاريخ بوصوله إلى الدور الثاني في مونديال 2023 بأستراليا ونيوزيلندا، مؤكدا أن الأكاديمية مشروع وطني شامل لدعم المساواة وتمكين المرأة في الرياضة.
افتتاح مكتب الفيفا في الرباط
شهدت سنة 2025 خطوة مهمة أخرى، مع افتتاح مكتب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في الرباط، وهو الأول من نوعه في شمال إفريقيا. يعكس هذا القرار الثقة العالمية في النموذج المغربي، ويعزز مكانة المغرب كحلقة وصل بين إفريقيا وأوروبا في إدارة كرة القدم، ويدعم برامج التطوير، تبادل الخبرات، وتكوين الكفاءات الرياضية في القارة.
سنة 2025: آفاق جديدة وطموحات أكبر
مع اقتراب المغرب من استضافة كأس إفريقيا للأمم 2025 والاستعداد المشترك لمونديال 2030 مع إسبانيا والبرتغال، تعمل الأكاديمية على توسيع شراكاتها، وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لتعزيز الكفاءة الفنية والإدارية. كما تستهدف دعم الأندية الوطنية وتكوين جيل جديد من المدربين والإداريين بنفس روح الاحترافية التي أرستها منذ تأسيسها.
أكاديمية محمد السادس لكرة القدم لم تعد مجرد مؤسسة رياضية، بل أصبحت استراتيجية وطنية متكاملة، تجمع بين التكوين، التطوير، والدبلوماسية الرياضية، لتؤكد أن الاستثمار في المواهب هو أعظم نجاح يمكن لأي دولة أن تحققه.