إعداد الدكتور أمين انقيرة
صدر حديثا للباحث المغربي الدكتور أمين انقيرة مؤلف جديد بعنوان “جهود الملوك والعلماء المغاربة في خدمة الحديث الشريف والسيرة النبوية: قضايا ونماذج”، في 400 صفحة، ضمن سلسلة الدراسات العلمية التي تُعنى بإبراز العناية المغربية بالتراث النبوي الشريف عبر العصور.
وقد استهل المؤلف كتابه بإهداء خاص إلى أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، اعترافا بما يوليه من رعاية متواصلة لخدمة الحديث النبوي والسيرة العطرة.
يتألف الكتاب من سبعة فصول تتناول بالبحث والتحليل مختلف مظاهر العناية الملوكية والعلمية بالسنة النبوية والسيرة في المغرب الأقصى. ففي الفصل الأول، يعرض المؤلف لتاريخ اهتمام ملوك المغرب بالحديث الشريف والسيرة النبوية منذ العهد المرابطي والموحدي مرورًا بالعصرين المريني والسعدي وصولا إلى العصر العلوي، مع إبراز جهود أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس في هذا المجال من خلال الخطب الملكية، ومنصة الحديث الشريف، والعناية الخاصة بـ كتاب الموطأ وتحقيق المجلس العلمي الأعلى لكتاب الشفا تحت الرعاية الملكية السامية، إضافة إلى الرسالة الملكية الموجهة إلى علماء الأمة بمناسبة مرور خمسة عشر قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما الفصل الثاني، فيتناول اهتمام العلماء المغاربة بالحديث والسيرة النبوية عبر نماذج من المجالس العلمية التي احتضنتها الدولة العلوية، وأوجه العناية بالحديث النبوي في التأليف والتعليم والتدوين. ويخصص الفصل الثالث للحديث عن الاهتمام بالسيرة النبوية في مراكش وأحوازها، متناولا أعلام الحديث بها والمدارس التي عنيت بتدريسه، ومظاهر العناية بكتاب نور العيون في تلخيص سيرة الأمين المأمون لابن سيد الناس اليعمري.
وفي الفصل الرابع، يقدم المؤلف تراجم علمية لأعلام بارزين كان لهم أثر راسخ في خدمة الحديث والسيرة، من أبرزهم الإمام القاضي عياض صاحب الشفا، والإمام السهيلي صاحب الروض الأنف، والإمام الجزولي مؤلف دلائل الخيرات، والعلامة محمد بن يوسف التملي السوسي المراكشي، والعالم جموع الفاسي صاحب الألفية في السيرة.
ويتطرق الفصل الخامس إلى قضايا علمية دقيقة من قبيل “الأربعينات الحديثية في المغرب الأقصى”، و”المصنفات المغربية في المغازي والسرايا” مع دراسة نموذجية لغزوة بدر الكبرى، فضلًا عن معالجة منهج محب الدين الطبري والحافظ الذهبي في نقد مرويات السيرة النبوية، ودراسة ظاهرة النسب وانعكاساتها في الكتابات السيرية.
ويخصص الفصل السادس لنافذة حول الإسهامات الحديثة في خدمة السيرة النبوية، فيستعرض المؤلف جهود الدكتور محمد يسف في مؤلفاته القيمة، إلى جانب ما أصدرته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومركز ابن القطان للدراسات والأبحاث من أعمال محققة في الحديث والسيرة. أما الفصل السابع والأخير، فيضم نصوصًا محققة، أبرزها “أربعون حديثًا في فضل قضاء حاجة المسلم” للعلامة أحمد بن مبارك اللمطي، و”جواب التجموعتي والمجاصي عن سؤال في قراءة صحيح الإمام البخاري”.
وفي مقدمة الكتاب، يؤكد الدكتور انقيرة أن العناية المغربية بالحديث والسيرة تمثل أحد أعمدة الهوية الدينية للمغرب، إذ كانت ولا تزال محور اهتمام العلماء والملوك على السواء، مشيرا إلى غزارة التآليف في هذا المجال وإلى الجهود الجامعية والعلمية التي تُبذل لإحياء هذا التراث. كما أشار إلى إسهامات الجامعات المغربية، وعلى رأسها جامعة القاضي عياض بمراكش وجامعة ابن زهر بأكادير، اللتين احتضنتا برامج أكاديمية متخصصة في السيرة النبوية بالغرب الإسلامي.
وذكر المؤلف أن الحديث النبوي الشريف حظي بمكانة مركزية في الثقافة المغربية، سواء في مجال الرواية أو الدراية، مشيرا إلى جهود الخزانة الحسنية التي أصدرت ثلاثة مجلدات وصفية حول المخطوطات المغربية في علوم الحديث وشروحه ومصطلحاته.
وقد قدم للكتاب العلامة الدكتور عبد المجيد محيب، أستاذ التعليم العالي بدار الحديث الحسنية ورئيس المجلس العلمي المحلي بالجديدة، الذي اعتبر هذا العمل من أهم الإصدارات المعاصرة في إبراز جهود الملوك والعلماء المغاربة في خدمة الحديث والسيرة النبوية، مؤكدًا أنه جاء متزامنًا مع التوجيهات الملكية السامية بمناسبة مرور خمسة عشر قرنا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومجسدا لروح الوفاء المغربي لرسالة النبي الكريم.
واختتم الدكتور محيب تقديمه بالدعاء للمؤلف على جهوده المخلصة في خدمة الثوابت الدينية والوطنية، سائلاً الله أن يجزيه خيرا عن جهوده العلمية، وأن يبارك في أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، الداعي إلى خدمة حديث وسيرة جده المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ويمثل هذا الكتاب، في شموليته ودقته، مرجعا علميا مهما في الدراسات المغربية الحديثة حول الحديث والسيرة، يكرّس التواصل بين الماضي العريق للمملكة وحاضرها في صيانة الهوية الدينية المغربية القائمة على العلم، والاعتدال، والتجديد في خدمة التراث النبوي الشريف.