محمد المهدي اقرابش. باحث وإمام مغربي يقيم في فرنسا
إن الاحتجاج هو حق مشروع يكفله الشرع والدستور والقانون. وإن دولة القانون والمؤسسات هي الكفيلة بتدبير هذه الاحتجاجات التي تطالب بمحاربة ومكافحة الظلم والرشوة والفساد بجميع أنواعه. وعلى الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني والمجالس العلمية أن تؤطر الشباب وتواكبه لتحقيق مطالبه المشروعة وهي مطالب المجتمع بجميع مكوناته.
ولكن الحيطة واجبة لكيلا يتم توجيه هذه الاحتجاجات المشروعة إلى وجهة ترمي من خلالها إلى مس النظام العام وثوابت الأمة التي لا غنى للمغاربة عنها. هذه الثوابت مجملة في شعار المملكة: الله الوطن الملك.
الدولة هي الأدرى بالاحتياطات الأمنية اللازمة للحفاظ على السلم والأمن المجتمعي وربما لديها من المعطيات مالا يدركها المواطن العادي لأن العالم يشهد تغيرات عميقة على جميع المستويات. ولسنا بدعا من الأمم والشعوب الأخرى فالاحتجاجات منتشرة في جميع انحاء العالم بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأسوق على سبيل المثال فرنسا التي شهدت مظاهرات متوالية عاصفة وأخص بالذكر احتجاجات أصحاب السترات الصفراء وماصاحبها من حوادث مؤسفة.
إن أكبر عدو لأمتنا هو الفساد الذي يضرب أساس كل بنيان ويهدده بالتقويض فهو ينتشر كالوباء ولا يكاد يسلم منه أحد وهو موجود بنسب متفاوتة في معظم القطاعات بسبب غياب الوازع الديني والضمير المهني ومع هذا فإنه لا ينبغي التعميم فهناك شرفاء ومخلصون والخير لا ينقطع من أمتنا إلى يوم الدين.
هلا استحضرنا خطاب العرش لأمير المؤمنين سنة 2017 عندما قال موجها خطابه للسياسيين: “كفى واتقوا الله في وطنكم”.
نعم اتقوا الله في الوطن فهو الذي يجمعنا وهو الحصن الحصين والركن الشديد الذي نأوي إليه بعد الله وفي ظل إمارة المؤمنين.
يحق للمجتمع أن يحتج وأن يعبر عن نفسه وأن يطالب ببذل الوسع في إصلاح القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والعدل وغيرها وله أن يطالب بزجر المفسدين والمرجفين.
ولكن الاحتجاج وطلب الإصلاح لا يمكن أن يكونا إلا في إطار القانون فالعنف وتخريب الممتلكات الخاصة والعامة مرفوضان رفضا قاطعا. إن الحفاظ على المكتسبات المادية واللامادية التي حققتها بلادنا هو من أوجب الواجبات، مصداقا لقول الله تعالى “ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا” سورة النحل الآية – 92.
إن عنف وإتلاف بعض الشباب الحدث السن للممتلكات الخاصة والعامة يجعلنا نتساءل: ألم يغرر بأبنائنا هؤلاء؟ هل هناك جهة تسعى للاصطياد في الماء العكر لزعزعة الاستقرار؟ الدولة هي التي تتمتع حصرا بحق العنف المشروع للتصدي لغوغائية الجماهيرية التي لا يعرف من وراءها فالغوغائية غير عقلانية وهي تهدم ولاتبني وتخرب ولا تقدم مشروعا حضاريا ولابديلا يضمن الأمن والسلام. يجب على الاحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني ان يتصفوا بالحكمة واللين وأن يغلبوا المصلحة العامة وأن ينخرطوا في حوار توعوي مع الشباب. حوار يؤكد على الحق في الاحتجاج ومراقبة عمل الفاعل السياسي في الشأن العام والحذر ممن يتلاعب بعقول الأحداث والقاصرين فهؤلاء مكانهم المدرسة لا الساحات العامة.
ولنستحضر قول الله تعالى “وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون” سورة النحل-الآية 112.
وقوله عزوجل “فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف” سورة قريش- الآيات: 5,4,3.
أسأل الله العظيم أن يحفظ بلادنا من كل سوء وأن يسبغ نعمه عليها ظاهرة وباطنة.
إنه سميع قريب مجيب.