28 سبتمبر 2025 / 14:07

جيل “Z”.. لغة جديدة لا تفهمها السياسة القديمة

عمر العمري

تعيش الساحة المغربية في المرحلة الراهنة منعطفا حساسا يفرض التوقف عنده والتأمل في دلالاته.

لذاك، لا يمكن اختزال خروج جيل “Z” إلى الشارع في حسابات الأعداد أو في وقع الشعارات المرفوعة، وإنما يجب قراءته كعلامة على تحول عميق في بنية العلاقة بين الشباب والدولة والمجتمع.

إننا أمام جيل ولد في زمن الثورة الرقمية، ويعيش في فضاء افتراضي واسع يلامس عوالم الأحلام، ويصوغ وعيه وأفكاره بعيدا عن قنوات التنشئة التقليدية، ويتحرك بخطاب غير مؤطر حزبيا أو نقابيا، لكنه في العمق يترجم توقا مشروعا إلى الكرامة والتعليم والصحة والعمل.

ويجانب الصواب من ينظر إلى هذه الاحتجاجات كحادث عابر أو نزوة شبابية أو مجرد “لوثة رقمية”، كما يخطئ من يفسرها حصرا بمؤامرات خارجية أو حسابات أيديولوجية ضيقة.

فالواقع أن هذه الدينامية تكشف عن خلل بنيوي في منظومة “الوساطة السياسية”، وعن عجز الأحزاب القائمة في استيعاب أصوات الأجيال الصاعدة، وهو ما جعل الشارع إلى جانب الفضاء الرقمي يتحولان معا إلى المنبر الرئيس للتعبير والاحتجاج.

وتقتضي الحكمة السياسية والأمنية الوعي بأن المقاربة الأمنية، مهما بلغت فعاليتها، تظل محدودة ما لم تدعم بقدرة الدولة على الإصغاء والتفاعل بذكاء مع نبض المجتمع.

إن مقياس القوة اليوم لا يترجم في أدوات الضبط، وإنما يتمثل في القدرة على فتح قنوات حقيقية للحوار، وفي إطلاق مبادرات اجتماعية عاجلة تبرهن للشباب أن أصواتهم مسموعة ومطالبهم تحظى باعتبار جاد.

ويدخل المغرب اليوم غمار تحولات جيلية عميقة تفرض صياغة عقد اجتماعي جديد، يدمج الشباب في مشروع وطني جامع يفتح أمامهم أفق المشاركة والبناء.

ويبقى الرهان مستقبلا على القدرة في تحويل صوت الشارع إلى مدخل لبناء الثقة وتجديد العقد بين الدولة وشبابها، فإما أن يستثمر هذا الحراك كفرصة لتصحيح المسار، أو يترك ليتحول إلى حالة اغتراب أعمق قد تفرض على الجميع كلفة أثقل مما يحتمل الوطن.