26 سبتمبر 2025 / 12:25

في تباين أداء جماعة الإخوان المسلمين بين مصر وسوريا

نواف القديمي. باحث سعودي يقيم في تركيا 

في الحديث عن أي موقف أو قضية، يجدر التفريق بين “الحق” من جهة، وتقدير “المصلحة” والسلوك الأكثر “حِكمة” من جهة أخرى.. فمثلاً لو كنتَ على طريق سفر مع عائلتك وأوقفتكم عصابة مُسلحة، وأرادت سرقة أي مال أو مقتنيات لديكم عنوة، فبالطبع لك كامل “الحق” في رفض إعطائهم أي شي، ولكن “الحكمة” هنا تقول: ليأخذوا المُقتنيات، وغادر بسلامة مع عائلتك، لأن أي رفض أو مقاومة قد تُعرضكم للموت.

وعلى أساس هذا التفريق، يجب التأكيد على حق جماعتي الإخوان في سوريا ومصر – وسواهما – العمل والاستمرار بالأطر السابقة وبلافتة الجماعة وشعاراتها المُعلنة، إن كان ذلك بالطبع ينسجم مع القانون المحلي (أي أن يسمح القانون بتكوين جماعات أو جمعيات شاملة ومتعددة كما هي جماعة الإخوان، فهي ليست حزباً سياسياً ولا جمعية خيرية أو دعوية، ولا نقابة مهنية، بل هي كل ذلك وأكثر).. لكن أظن أن المصلحة والحكمة تقولان شيئاً آخر.

ففي سوريا.. أعتقد أن جماعة الإخوان تفتقد لأي حضور شعبي داخل البلد، وهي بسبب وجودها في المنفى لعقود باتت كالهرم المقلوب، فكبار السن فيها أكثر من الشباب، وعقود من الضخ الإعلامي للنظام شوَّه صورتها لدى أوساط شعبية واسعة، ولم تتحسن كثيراً بعد الثورة.

بقاء الجماعة بنفس الاسم واللافتة، يعني أنها ستُسأل دوماً عن أحداث الثمانينات، وعن عملية “مدرسة المدفعية” وإبراهيم اليوسف، وعن انقسامات الحركة ومواقفها السياسية، وعن تحالفها مع عبدالحليم خدام، وقائمة طويلة من المواقف التي ستُثقل كاهل الجماعة وتجرّ وراءها قاطرة مُحملة بإرث كبير وإشكالي وسط مجتمع مفتوح يحتاج إلى رشاقة عالية وسهولة في الحركة.. أعتقد أن جماعة الإخوان السورية ستحتاج إلى بضع سنوات لكي تتعرف على سوريا، وليتعرف عليها السوريون، وسيكون قرار حل الجماعة وإعادة التشكل بعد زمن بأنماط وأشكال ووجوه أخرى حديثة ومختلفة هو الخيار الأكثر حكمة وفائدة لها وللمجتمع السوري.

أما في مصر.. فقد يحتاج الأمر لحديثٍ طويل، لكن في تقديري أن الجماعة باتت جزءاً من مشكلة الوضع السياسي المتأزم في مصر، بدءاً من خياراتها الخاطئة بعد الثورة، مثل الترشح للرئاسة وتقديم مرشحين في كل الدوائر في انتخابات مجلس الشعب، والتحالف مع اليمين “السلفيين”، وأمور أخرى كثيرة، ثم استمرار الأخطاء بعد الخروج والمنفى، وما تلاها من انقسامات وصراعات علنية، وغياب أي مشروع أو قيادات وازنة وجامعة، إضافة إلى تاريخ ممتد وجدلي في المجتمع المصري، كل ذلك يجعل من الحكمة أن تعلن الجماعة اعتزالها العمل السياسي لعشرة أعوام على الأقل، وبعدها يتم تقدير الوضع ورؤية المسار الأنسب والذي يصب في مصلحة البلد قبل الجماعة.

المصدر: صفحة الكاتب على فيسبوك