منتصر حمادة
هذا كتاب حديث الإصدار، من تأليف الباحث والمؤرخ الفرنسي برونو كارسنتي، المتخصص في تحرير اليهود من خلال الأنوار، حيث يستعرض صعود وتراجع المراكز التي أنشأها اليهود في أوروبا. ويأتي الكتاب الذي يتزامن مع تفاعلات الأزمة الإسرائيلية الداخلية وتراجع شعبية الإسرائيليين لدى الرأي العام الدولي وخاصة الأوروبي، لكي يعيد تسليط الضوء على المنفى اليهودي في أوروبا.
يجيب الكتاب على مجموعة من الأسئلة، منها: كيف يمكن للأقليات أن تندمج في الأمم الأوروبية؟ كيف يمكن إعادة الاتصال بالمشروع التحريري لأوروبا الحديثة، الذي يبدو أنه في أزمة أكثر من أي وقت مضى؟ كما جاء في الورقة التعريفية.
للإجابة على هذه الأسئلة، يتبنى برونو كارسينتي وجهة نظر تتعلق بالسؤال اليهودي: سؤال يطرح حول الأقلية التي تشكلها اليهود، وسؤال يطرحونه على أنفسهم في سياق اندماجهم. يعيد سرد صعود وانحدار المراكز التي أنشأها اليهود على مدى تاريخهم الحديث، بين الاستيعاب والتحرر، والتمييز والاضطهاد. تبدأ هذه المسيرة المتقطعة من طرد اليهود من إسبانيا عام 1492، وتصبح قضية يهودية في ألمانيا القرن التاسع عشر، على وشك الزوال مع إبادة العالم اليهودي في الشرق، وتتغير مع استمرارية مركز يهودي في فرنسا. مع الإشارة إلى أنهم حظوا بحماية الملك محمد الخامس في عز اضطهادهم الأوروبي، وبالتالي نجوا من القتل والقمع والنفي.
استند الكتاب على أعمال التاريخ وعلم الاجتماع، كما يضيء هذا الكتاب في الفلسفة السياسية العلاقة المعقدة بين اليهود في الشتات وهويتهم، ويكشف برونو كارسينتي عن التناقضات التي تعبر جميع عمليات الاندماج، منذ حقبة المعاناة في ظل النظام النازي، وبعدها موجة إنهاء الاستعمار، وتداعيات 7 أكتوبر هذه التشخيص تطلب من المؤلف الخوض في قضايا معاداة السامية والعنصرية، واستجواب الصهيونية والنموذج الجمهوري، يعني إعادة فتح مجال نقد سياسي مخلص لمثالي التحرر – وبالتالي للوعد الأوروبي.
من نتائج الكتاب عند القراء، أن الشعب الفلسطيني، يوجد في مقدمة ضحايا هذه التناقضات التي تطرق إليه المؤلف، أقلها إنه شعب يؤدي ثمن ما جرى في الحرب العالمية الثانية، وخاصة في ألمانيا، لكن مأساة الشعب الفلسطيني أيضا، تبقى في مقدمة ملفات تصفية الاستعمار، وهذه نقاط لم يتطرق إليها المؤلف، ضمن ملاحظات نقدية أخرى، لكن نقتصر هنا على عرض أولي.