مريم أبوري
“الإسلاميون المغاربة وحقوق الإنسان. تحولات الخطاب والممارسة”، دراسة حول مسارات تحول نظرة وتفاعل الحركة الإسلامية والسلفية مع منظومة حقوق الإنسان.
تمكن الباحث المغربي عبد الرحمان علال، من إنجاز بحث أكاديمي قيم نال به درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، وتم إصدار الدراسة تحت عنوان “الإسلاميون المغاربة وحقوق الإنسان: تحولات الخطاب والممارسة”، وصدر عن دار أبي رقراق للنشر (ط 1، 2024)
اعتمدت الدراسة على عمل ميداني وسوسيولوجي، لرصد مسارات التحول الذي عرفته مواقف الحركات الإسلامية والسلفية في المغرب تجاه حقوق الإنسان.
يحتوي الكتاب على مقدمة وعشرة فصول. في المقدمة شرح البحث للقارئ منهجه في البحث واﻷدوات المنهجية التي اعتمدها في دراسته، والصعوبات التي واجهته مثل ندرة مصادر البحث وتعدد الفاعلين المبحوثين الذين كانت محاولة إقناعهم عسيرة، الأمر الذي تطلب بناء الثقة مع المستجوبين والوعي برهانات المستجوب المستترة.
ومن خلال الفصول الخمسة الأولى فصل البحث في المنطلقات التصورية للحركات الإسلامية والسلفية، وحلل تصورات هذه الحركات لقضايا خلافية مثل المسألة النسائية، الحريات الجنسية، حرية المعتقد، وموقفهم من الفن.
وقد وقف البحث طويلا لتحليل تطور مواقف حركة التوحيد والإصلاح، حزب العدالة والتنمية، جماعة العدل والإحسان، والتيارات السلفية (مثل شيوخ السلفية الست، بما فيهم محمد عبد الوهاب رفيقي “أبو حفص” كدراسة حالة).
وانطلاقا من الفصل السادس وثق البحث التجارب الحقوقية للإسلاميين والسلفيين والتنظيمات الحقوقية التي تنتمي إلى هذه التيارات، وتم تحليل سياقات تأسيسها وعلاقاتها بالتنظيمات الأم الحركية والحزبية، و شرح مواقفها من قضايا حقوق الإنسان، والحريات بصفة عامة، مثل: منتدى الزهراء للمرأة المغربية الخارجة من رحم انعكاس التوحيد والإصلاح، منتدى الكرامة لحقوق الإنسان التي كان أغلب قياداتها مقربين من حزب العدالة والتنمية، الهيئة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان، التنظيمات السلفية؛ جمعية النصير واللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين.
وفي باقي الفصول فكك الباحث تفاعلات الإسلاميين على مختلف تياراتهم وتنظيماتهم، مع آليات الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان، من خلال تحليل قرارات لجنة مناهضة التعذيب والفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي في قضايا اختطاف واعتقال وتعذيب أعضائها ومناصريها.
ومن استنتاجات الباحث التي وصلت إليها هذه الدراسة، نذكر بأن مسارات الإسلاميين المغاربة اختلفت اختلافا كبيرا في تعاطيهم مع منظومة حقوق الإنسان، سواء على مستوى الخطاب أو الممارسة. ومن أهم هذه الاستنتاجات:
فبحضوص حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، فقد شهدا حسب البحث، تحولا نحو “مرونة” و”تنسيب” في الخطاب، وليس “يقينا وثوقيا “، خاصة بعد إدماجهما السياسي. وقد أظهر الحزب مواقف متذبذبة بين المقاومة والمعارضة كما حصل بخصوص حرية المعتقد الذي كان مقترحا للتنصيص عليه في دستور 2011، وبين الخطاب المنفتح، كما في أطروحة مؤتمره السابع 2012؛ ويلاحظ الباحث أن الحزب، في القضايا التي تخلق الأزمات، فغالبا ما يستدعي الخطاب الديني، مما يطرح تساؤلا حول مدى عمق قناعة الحزب بالقبول بحقوق الإنسان أم أنها مجرد استجابة اضطرارية تجبره عليها الظروف السياسة المغربية.
وأما جماعة العدل والإحسان، فقد ركزت هيئتها الحقوقية بشكل أساسي على الدفاع عن قضايا الجماعة وأنصارها؛ كقضايا الانتقالات والمضايقات، مما يعكس تقوقع الجماعة نسبيا على ذاتها. وعلى الرغم من ذلك، فالجماعة قد سجلت حضورا في مواكبة بعض القضايا الاجتماعية كالحراك الاجتماعي في الريف وجرادة. ويوضح الباحث أن هناك تناقضا بين ممارسة الهيئة الحقوقية والتصور النظري للمرشد عبد السلام ياسين، الذي يرفض المنشأ والمرجع الفلسفي لحقوق الإنسان ويعتبرها دخيلة على الثقافة الإسلامية.
أما التيار السلفي فقد شهدت تحولا كبيرا تصوراته للحقوق والحريات مقارنة بمواقفه السابقة.
وختاما للدراسة لخص الباحث نتائجها الميدانية لأبرز التنظيمات الإسلامية والسلفية وعلاقتهم بالممارسة الحقوقية في النقط التالية:
فحزب العدالة والتنمية عرف تحولا نحو القبول والمرونة، بعد الإدماج السياسي، أما منتدى الزهراء ومنتدى الكرامة، يتسمان بتذبذب بين الخطاب الحقوقي ومقاومة الإجراءات العملية أحياناوبخصوص جماعة العدل والإحسان فهي ترفض رفضا نظريا للمنشأ الفلسفي انطلاقا من خطاب المرشد، وتركز الهيئة الحقوقية للجماعة على الدفاع عن قضايا الجماعة، مع مشاركة محدودة في قضايا اجتماعية أوسع. أما باقي التيارات السلفية، فقد عرفت تحولا نسبيا في التصورات كما هو الشأن بالنسبة لجمعية النصير واللجنة المشتركة.
يعتبر هذا الكتاب وثيقة قيمة لفهم واستيعاب العلاقة المرتبكة بين الإسلاميين والسلفيين المغاربة ومنظومة حقوق الإنسان، وثيقة أرخت وحللت تحليلا معمقا لتحولاتهم الفكرية والميدانية، والعوامل السياسية والاجتماعية المؤثرة فيها. اعتمدت الدراسة على منهجية بحثية غنية تشمل العمل الميداني والمقابلات، مما يجعله مرجعا مهما للمهتمين بالشأن السياسي والحقوقي لدى الإسلاميين في المغرب، وكذلك للباحثين في الشأن الإسلامي عموما ولأبناء الحركات الإسلامية والسلفية التي قدم لها هذا البحث كرونولوجيا وتحليلا لمسارها ومنجزاتها في مجال حقوق الإنسان.