18 سبتمبر 2025 / 08:07

جامعة مراكش تظفر باعتراف وادي السيليكون العالمي

عبده حقي
لم يكن فوز جامعة القاضي عياض بمراكش بالميدالية الفضية في الدورة العشرين لمهرجان الابتكار الدولي لوادي السيليكون (SVIIF 2025)، الذي احتضنته مدينة سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا، مجرد إنجاز علمي عابر.

بل هو حدث يكشف عن التحولات العميقة التي يشهدها المغرب في مجال البحث العلمي والابتكار، ويعكس صورة جديدة للجامعة المغربية التي لم تعد أسيرة الفصول الدراسية أو جدران المختبرات المحلية، بل أصبحت لاعبًا حاضرًا في الساحة العلمية الدولية.

البراءة التي حصدت هذا التتويج طوّرها الأستاذ سعيد البيض والباحث في الدكتوراه عبد الخالق شلاخي من المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بمراكش، وتركّز على رفع كفاءة أنظمة الطاقة الشمسية.

تتجاوز أهمية هذا الابتكار بعده التقني، إذ يتماشى مع المسار الذي اختاره المغرب منذ سنوات في مجال الانتقال الطاقي والاعتماد على الطاقات المتجددة. فالمملكة استثمرت بشكل واسع في مشاريع كبرى مثل محطة نور بورزازات، ووضعت أهدافًا طموحة للوصول إلى نسبة عالية من الطاقة النظيفة في مزيجها الطاقي بحلول 2030.

إن تحسين مردودية الأنظمة الشمسية هو خطوة استراتيجية يمكن أن تقلل التكاليف وترفع القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني، وتمنح المغرب موقعًا أكثر قوة في السوق العالمية للطاقة المتجددة.

اختيار سانتا كلارا، القلب النابض لوادي السيليكون، كمسرح لهذا التتويج يضفي على الحدث رمزية إضافية. فالمهرجان الدولي للابتكار يجمع سنويًا مئات المبتكرين من مختلف القارات، ويعرض مشاريعهم أمام لجان تحكيم تضم خبراء ومهندسين ومستثمرين عالميين.

في هذه المنافسة الحادة، حيث تلتقي الجامعات والشركات الكبرى والناشئة، استطاعت جامعة “القاضي عياض ” في مراكش المغربية أن تفرض نفسها وتحصد ميدالية فضية، وهو اعتراف لا لبس فيه بأن البحث العلمي في المغرب قادر على منافسة أرقى المراكز البحثية العالمية.

نجاح هذه الجامعة يسلّط الضوء على دينامية الجامعات المغربية في السنوات الأخيرة، رغم التحديات البنيوية المرتبطة بالتمويل والبنية التحتية. فقد تبنت الجامعة نهجًا يقوم على تشجيع البحث التطبيقي، والانفتاح على الشراكات الدولية، وتحفيز الباحثين الشباب على خوض غمار الابتكار. ومن ثمار هذا التوجه أن يخرج من مراكش ابتكار يتردد صداه في كاليفورنيا.

إن الاقتصادات الصاعدة في العالم لم تبلغ موقعها الحالي إلا عبر الاستثمار المكثف في البحث والابتكار. تجارب كوريا الجنوبية أو سنغافورة تقدم أمثلة واضحة: جامعات تحولت إلى محركات للنمو، وابتكارات خرجت من قاعات البحث لتصبح صناعات وطنية استراتيجية. المغرب، وهو يواجه تحديات بطالة الشباب والتحولات المناخية وضغوط الاقتصاد العالمي، لا يملك رفاهية التباطؤ في هذا المجال.

إن ذلك الابتكار المتوج يندرج في صميم الرؤية الاستراتيجية المغربية للطاقة، التي جعلت من الطاقات المتجددة ركيزة رئيسية لتحقيق السيادة الطاقية والحد من التبعية للخارج. المغرب يمتلك واحدًا من أغنى المخزونات الطبيعية للطاقة الشمسية في العالم، ومع ذلك يظل التحدي الأكبر هو الاستغلال الأمثل لهذه الثروة وتحويلها إلى عائد اقتصادي مستدام.

لذلك، فإن أي ابتكار يزيد من كفاءة الألواح الشمسية أو يطيل عمرها أو يقلل من تكلفتها يمثل إضافة نوعية لمسار الانتقال الطاقي. ومن هذا المنظور، فإن إنجاز القاضي عياض ليس مجرد ميدالية، بل لبنة عملية في مشروع وطني واسع.