د. الناجي لمين. أستاذ بدار الحديث الحسنية. الرباط
ذكرتُ في منشور سابق قبل أيام أن هناك مقالا انتشر على صفحات الفيسبك يتحدث فيه أحد الفضلاء عما رآه مشروعا تجديديا للدكتور القرضاوي رحمه الله. وهذا المقال في حقيقته منقبي عاطفي يكرس فكرة السوبرمان التي أحدثتها مدرسة المنار في الثقافة الإسلامية. هذا أولا.
ثانيا وهو الأهم، عندي سؤال لهذا الاستاذ الفاضل وغيره مِمّن “صدعوا رؤسنا” بكتب رموزهم التجديدية وهو: هل كتب الشيخ القرضاوي التجديدية وغيرها من أمثالها نستطيع أن نُسير بها المجتمع، ونَحُل المشاكل التي تعترض المُتعاملين في مختلف مجالات الحياة؟! وبيان ذلك أننا إذا أحذنا مثلا كتاب الشرح الكبير للدردير في المذهب المالكي وعضدناه بكتاب البهجة للتسولي فإننا نجد فيهما طريقة لمختلف العبادات، ومختلف المعاملات والجنايات والزواج والطلاق، مفصلةً، واضحةً: كل مجال فيه أحكامه مِن ألفه الى يائه: فإن كان كذا فحكمه كذا، وإن كذا فحكمه كذا.. بحيث نستطيع أن نبني عليهما و”نُحَيّن” الأشكال القضائية المفصلة فيهما، فنحصل على قانون عادل نُنافس به قانون المستعمر. والدليل هو ان هذين الكتابين وأمثالهما من شروح خليل وشروح التحفة هي التي كانت تُسير شؤون المجتمع في المغرب إلى دخول الاستعمار.
هذا هو السؤال المركزي الذي يجب أن يوجه لكل شخص ملأ علينا الدنيا بكتب التجديد، وفقه السنة، وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.. السؤال المركزي: هل هناك بديل عن الفقه المذهبي، بحيث ننافس به قانون الاستعمار؟!. المجتمع (أي مجتمع) لا تفيده العنتريات، ولا يهتم بالدليل القوي او الدليل الضعيف، او البدعة أو السنة، أو السلف أو الخلف.. عموم المجتمع عنده مشاكل يتعرض لها في حياته، ويريد أن يحلها، إما عن طريق الاستشارة أو الصلح أو عن طريق القضاء.
وأما مقارنة صاحب المقال كتبَ القرضاوي بكتاب الموافقات للشاطبي فلعله لم يقرأ الموافقات، وإن قرأه فهُو لم يفهمه (لأن قراءة كثير من رموز مدرسة المنار هي قراءة بمعيار حداثي).
الشاطبي بيَّن في أول الموافقات أنه سيتحدث عن أصول مالك مقارنة بأصول أبي حنيفة، ونص على أنه سيفصل قواعد وأصولا كانت معروفة عند العلماء وأنتجت فقها كثيرا. ولم يقل إنه سيجدد أصول الفقه، ولا المقاصد.. بل نفهم من إحالته في أكثر من موضع على علم أصول الفقه أنه لا يدعي ان كتابه بديل عن هذا العلم العظيم.. والشاطبي نفسه يصرح بأنه مالكي مقلد لا يقوى على الاجتهاد، ويُحَرم على معاصريه الاجتهادَ، لأنهم ليسوا أهلا له. فلماذا نُقَول الشاطبي ما لم يقله؟!
ومن الأمور الخيالية في هذا المقال قول صاحبه: إن الشاطبي أحدث تحولا جذريا في أصول الفقه.
طيب أين يتجلى هذا التحول الجذري؟! هل عكف الناس على الموافقات اختصارا ونظما وشرحا عبر العصور كما فعلوا مع كتاب (جمع الجوامع) لابن السبكي مثلا الذي كان يحفظه الطلبة من عصره الى خروج المستعمر.
بل أقول مُتحديا: لم يغير الشاطبي من مسارات أصول الفقه أي زنقة، ولا شارع، ولم يغير من بنائه لا نافدة ولا بابا، ولا سارية، ولا طبقة، ولا درجا.. إنما الحقيقة هي أن الإمام الشاطبي أدى دَينا على المالكية في أصول مذهب مالك. فقد أصل له تأصيلا لا مزيد عليه. رحمه الله ورضي عنه. ولا تنسوا أنه كان أشعريا أيضا.