محمد بن جامع. باحث تونسي
في المغرب، أثارت مؤخرا قضية شابة اعتبرت نفسها نسوية “مثلية”، نشرت على فيسبوك صورة ترتدي فيها قميصا يتضمن عبارة مستفزة.
هذا المنشور أثار موجة استنكار واسعة انتهت باعتقالها والحكم عليها بالسجن سنتين ونصف مع غرامة مالية قدرها 50 ألف درهم.
برأيي، ما وقع في المغرب لا يمكن عزله عن نمط أوسع من الأفعال الاستفزازية التي تستهدف الرموز الدينية وتثير حساسيات كبيرة. رأينا ذلك في رسومات شارلي إيبدو في فرنسا، وفي حوادث حرق المصحف بهولندا والدنمارك، كما رأيناه مع أمينة السبوعي في تونس ضمن حركة “فيمن”، ومع زميلتها علياء المهدي في مصر.
في تونس أيضا، تداولت النقاشات في سنوات سابقة حالات مشابهة حاولت فيها بعض الأصوات تحدي الرموز الدينية بشكل صادم. ومع ذلك، فالغريب أن الشارع العربي نفسه مليء بمظاهر مشابهة (خصوصا سبّ الجلالة في الغضب اليومي)، ورغم فداحتها، يتعاطى معها الناس عادة بقدر أكبر من الهدوء والتسامح. وأعتقد أن من الممكن التعامل مع هذه الاستفزازات بنفس الهدوء بدل المبالغة في ردود الفعل.
ثم، مثل هذه المناشير، في الغالب، يمكن أن تُترك جانبا وتُهمَل، فتصبح استفزازا محدود الانتشار لا قيمة له. أما التركيز المفرط عليها وإثارتها إعلاميا وقضائيا فيمنحها قيمة مغلوطة ويضخم أثرها أكثر مما تستحق.
في كل هذه الحالات، أعتقد أن الهدوء والتروي يساعدان في فهم أعمق.
قال الله تعالى ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» [فصلت: 34].
وفي السيرة النبوية وصحيح البخاري، حادثة الأعرابي الذي بال في مسجد النبي (ص)، فقام بعض الصحابة ليزجروه، فقال لهم النبي: “دعوه، وأريقوا على بوله سجلا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين”.
هذا الموقف النبوي العظيم يلخص معنى الرحمة وضبط النفس أمام السلوك المستفز، وتحويله إلى فرصة للتربية لا للعقوبة القاسية.
ثم، من حيث المبدأ، يُفترض أن تقوم الدولة بدور مزدوج:
– حماية الحريات، كي لا تُقمع الأصوات المختلفة.
– منع الاستفزازات التي تُؤجّج مشاعر الكراهية وتخلق قطيعة مع الحساسية الجماعية للمجتمع.
نعم، المنشور فيه استفزاز واضح لمشاعر المؤمنين، لكنه يظل تعبيرا فرديا في فضاء إلكتروني، دون عنف أو تهديد حقيقي. أما العقوبة القاسية بالسجن لسنوات مع غرامة مرتفعة، فلا تبدو حلا متناسبا؛ بل تزيد الاحتقان وتحول النقاش إلى قضية “قمع”، بدل تهدئة الأجواء وفتح نقاش موضوعي.
ما نحتاجه، في رأيي، ليس السجن، بل نقاش هادئ وواعٍ وحضاري حول:
– معنى حرية التعبير وحدودها في مجتمعاتنا.
– كيفية التوفيق عقلانيا بين احترام المقدّس الجماعي وحماية الحريات الفردية.
– فهم الخلفيات النفسية والاجتماعية وراء الأفعال الاستفزازية.
العقاب قد يُسكت صوتا، لكنه لا يجيب على الأسئلة الجوهرية التي يطرحها جيل كامل يبحث عن حرية تليق بالإنسانية.