8 سبتمبر 2025 / 20:17

الجغرافيا السياسية للأرثوذكسية.. من بيزنطة إلى الحرب الروسية الأوكرانية

إيمان شفيق

يجمع هذا الكتاب الذي ألفه الباحث الفرنسي جان أرنولت ديرينس بين التاريخ والجيوسياسية، ويساعد القراء على فهم العالم الأرثوذكسي بشكل أفضل، وثقافته، كما يسطل الضوء على دوره السياسي في العالم، معتبرا أنه مع ما يقرب من 300 مليون مؤمن، تعتبر الكنيسة الأرثوذكسية ثالث أكبر مذهب مسيحي، بعد الكاثوليكية والبروتستانتية. إذا كانت غالبا ما تثير إعجاب الأوروبيين بجمال طقوسها، وأغانيها الساحرة، وأيقوناتها، فإنها تظل مجهولة إلى حد كبير.

يضيف المؤلف أن تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية مشحون بعلاقة مؤلمة مع الغرب، الذي اتهم بأنه قد حكم عليها بدور الحصن ضد الإسلام، ولكنه يؤكد بالواقع أكثر تعقيدا ويظهر مشهدا دينيا متعددا، حيث نعاين تعايشا غالبا بتناغم مع العالم الإسلامي، كما يتوقف المؤلف عند موقع الكنيسة الأرثوذكسية مع تقاطع الإمبراطوريات المنقرضة – البيزنطية والعثمانية والروسية – وتمزقها في حقبة الحرب الباردة، قبل أن تجد نفسها في قلب صراعات العقود الماضية، مع حروب البلقان، والعراق، وسوريا، أو أوكرانيا.

على مدار عقود، جاب المؤلف البلقان حيث اكتسب معرفة حميمة بتنوع القضايا والصراعات الإقليمية الماضية والحاضرة. وبعيدا عن أي إغراءات فولكلورية، يقدم عمله صورة واقعية ونقدية عن سياسة الكنائس المسيحية الأرثوذكسية، وقد حرص على دحض بعض الصور النمطية، منها التصوير الكاريكاتيري الذي يرى الأرثوذكسية باعتبارها كنيسة وطنية متعصبة ومناهضة بشكل صارم، تحت أوامر السلطة السياسية.

يرفض الكاتب أيضا الحديث عن “أرثوذكسية جيدة” و”أرثوذكسية سيئة”، أو أرثوذكسية روسية خاضعة للسلطة وأرثوذكسية ليبرالية ومتوافقة مع المعايير الديمقراطية الغربية، وهي توضيح للاختلاف بين البطريركية المسكونية القسطنطينية وتلك الموجودة في موسكو. وفقا للمؤلف، فإن الواقع أكثر تعقيدا بكثير، تماما كما أن فكرة التضامن الأرثوذكسي الصادق مع روسيا هي مجرد وهم، كما يتضح من انشقاق عام 2019 الذي تسبب فيه اعتراف القسطنطينية باستقلالية الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا. اليوم، يتحد العالم الأرثوذكسي، الذي يجمع بين 200 و300 مليون مؤمن، بالدين والطقوس، لكنه مشتت جدا ويكافح لهضم الصراع بين روسيا وأوكرانيا.